بثت قناة العربية فيلمين وثائقيين عن تاريخ نشأة دولة قطر، وصراعاتها الداخلية بين أفراد الأسرة الحاكمة، وسياساتها الخارجية، وما تستخدمه من قوة ناعمة، وحيل سياسية، وتحالفات إقليمية.
الوثائقيان “تاريخ قطر.. صراع على السلطة”، والذي جاء في ثلاثة أجزاء، كما “عش العمليات السرية” الذي اختتمت به العربية رباعيتها، أعدا بشكل احترافي مهني، وقدما للمشاهد مادة صحافية غنية بالمعلومات، ارتكزت على البحث والاستقصاء في أرشيف وعر، محدود المادة البصرية. وحتى تلك السرديات التاريخية المعتمدة على الوثائق، لم يكن من السهل تتبعها، لندرتها ووجودها لدى أفراد محددين أولا، ولوقوع كثير منها بيد السلطة السياسية في قطر، والتي بدورها لا تفرج عنها.
إن أهمية الوثائقيين تكمن في التالي:
الجهد الصحافي المهني، والعمل الاستقصائي، وبنية النص، الذي اعتمد على السرد التاريخي المبني على الحقائق، والمعلومات. بعيدا عن الإثارة المجانية، أو استخدام لغة تحريضية عاطفية، أو تناول موضوعات ذات حساسية اجتماعية أو قبائلية. إنما كان هنالك هدف محدد، يسير فيه النص المكتوب بشكل واضح، دون انشغال بقضايا جانبية تشتت المشاهد، أو تجعله يعتقد أن هذه الموضوعات تم جلبها من أجل سد ثغرة هنا، أو إخفاء ضعف هناك.
لقد كان عملا صحافيا تنطبق عليه معايير البحث، التدقيق، الابتعاد عن الحشو، والاعتماد على مصادر مختلفة في عملية التوثيق. وهو ما يجب أن تكون عليه الصحافة في عملها وتناولها لموضوع مهم مثل الأزمة مع قطر، أو سواها من الموضوعات، على قدر كبير من المهنية والموضوعية والصدقية والشفافية.
قناة “العربية” ومن خلال هذه الوثائقيات، قدمت للمشاهد تسلسلا تاريخيا من الأدلة والوقائع عن السياسات القطرية الخارجية تجاه دول الخليج، والتي بسببها اتخذت الدول “المناهضة للإرهاب” موقفها المقاطع للدوحة. خصوصا أن الأفلام تبين كيف أن جذور المشكلة تعود لسنوات طويلة، ومن قبل تولي الأمير السابق حمد بن خليفة لمقاليد السلطة، وإنما منذ كان وليا للعهد. وصولا للوثائقي الأخير الذي سعى لتتبع موضوع فدية المليار دولار، والتي أثارت سخط السلطات العراقية، واعتبرتها بغداد ودول الخليج عملا غير قانوني، وتمويلا للمليشيات الخارجة عن سلطة الدولة، وإضعافا للحكومة المركزية.
السرد التاريخي الذي جاء في الوثائقيات، يقول بوضوح إن الخلاف مع قطر ليس وليد اليوم، وإنما هو بسبب تراكم طويل الأمد، لمشكلات لم يعد من مصلحة استقرار المنطقة السكوت عنها.
أثارت الوثائقيات العديد من الموضوعات التي من المفيد للصحافة العمل عليها استقصائيا، مثل علاقة قطر بجمهورية مالدوفا، وعمليات تهريب السلاح من خلالها إلى الجماعات الأصولية المسلحة. كما مراكز التجنيد داخل الأراضي القطرية والتي يتم من خلالها تقديم دعم لوجستي ومالي وإعداد فكري.. وسواها من الموضوع التي يمكن الاشتغال عليها.
إن مشكلة السياسة القطرية الحقيقية تكمن ليس في رغبتها لأن تكون لها قوتها الناعمة، أو نفوذها الإقليمي، وإنما تحديدا في التآمر، ومحاولة تقويض استقرار دول الجوار، ودعم المجموعات الأصولية، وهي ممارسات لن تكون مقبولة أبدا من أي دولة كانت، وهو الأمر الذي على الدوحة أن تدركه إذا أرادت حلا سياسيا لأزمتها.
حسن المصطفى
صحيفة الرياض