تصادفنا لحظات صعبة و نصاب بشلل فكري و دهشة وجدانية من هول ما نراه ماثلا أمامنا ، فمن كنا نعول عليه كثيرا و نعلق به الآمال الكثيرة ، هاهي تلك التطلعات تنهار كبيت الرمل على الشاطيء فجأة ، و نشعر باستصغار النفس و صعوبة انكسارها و الإحساس بالغبن بعد اكتشاف الكم الهائل من الاستغفال الذي عشناه مع أشخاص ، تبين أننا لم نعرف عنهم أي شيء و قابلونا بوجوه جليدية تختفي منها كل المشاعر التي أتحفونا بها لمدة طويلة ، و هاهي تختفي اليوم كحلم انتهى و أبقانا في حالة ذهول و حيرة و ارتباك ، فاين يكمن الخلل ؟
هل هو في تغير النفوس و تبدلها إلى الانتهازية ، و لبس الأقنعة و تحول الوجوه إلى العبوس و التجهم ؟
أم أن الأمر يتعلق بسوء تقدير و اختيار منا لما يناسبنا ، فلا نختار من يحيط بنا على أسس معينة يلاحظ فيها الجانب الأخلاقي و التعاملي مع الغير ؟
أولى العوامل في إصابتنا بصدمة نفسية من تعامل غير متوقع من أحد أصحابنا ، هو التعامل المثالي و السقوف العالية من التوقعات ، و التي نرتجي معها المساندة و الوقفة الشجاعة من الجميع و بأعلى مستوياتها ، فنرسم صورة خيالية من العطاء و المساهمة منهم في أي وقت نواجه فيه معضلة ، فنتفاجأ باهتمام ضئيل لا يكاد يرى أو نواجه تجاهلا و انسحابا سريعا منه ، كمخرج يجنبه الحرج و العتب و التوبيخ و الكلام القاسي في مرتبة ما ، و فجأة تنقطع روابط و قنوات الاتصال و تطفأ جذوة المودة و الاهتمام ، و تنتهي علاقة متوهجة بشمس الليل .
الاعتماد على النفس في التخطيط لأهدافه و آماله ، و مواجهة المشاكل و العقبات التي تواجهه و البحث عن حلول لها ، هو ما يقينا من نبرة الاستعطاف و استجذاء الرعاية و المساندة من كل أحد من حولنا ، فالأصدقاء في عطائهم يتفاوتون بين مستجيب ضعيف و مستوى أفضل منه ، و لكن هذا لا يعني أنهم يرهفون السمع منتظرين نداء استغاثة منك في أي وقت ، بل علينا قصر نظرنا على ما نمتلكه من أدوات تفكير و إرادة تنفيذية تتخطى التعاجز و الخمول و التردد في عمل ما توصل له من مخارج .
و علينا تقدير ظروف الآخرين و التماس العذر لهم إن قصروا يوما في تقديم يد العون لنا ، فالظنون السيئة و الشكوك الدائمة في الآخرين تدمر علاقاتنا بسهولة ، و كما نحب أن يقدر الغير الأوقات الصعبة و الحرجة التي نمر بها ، و تمنعنا من المساهمة في حلحلة مشكلة لأصحابنا ، كذلك علينا التعامل وفق هذا المبدأ معهم .
و من عوامل الصدمة التي تعترينا هي سوء اختيار الصاحب وفق معايير منطقية و عقلائية و أخلاقية تناسبنا ، فأساس اي علاقة ناجحة هو الانسجام النفسي و التقارب الفكري و العاطفي ، مما يبني جسور المحبة و الثقة و الاحترام و الاهتمام بينهما ، و أما العلاقات العامة العابرة في جلسة أو رحلة أو غيرها فتكونت منها اهتماما و استلطافا ، فهذا لا يعني تحويل كل علاقة عامة إلى علاقة متينة نرجو منها توأمة روحية و عطاءا فياضا لا ينضب ، إذ علينا التفريق بين الزمالات في العمل و العلاقات مع الجيران و غيرها ، و ما بين اختيار من نثق بهم و نكشف خبايا أنفسنا عندهم و نشاركهم آمالنا و تطلعاتنا .