سأكون أماً كأمي
و كأني أطلقت مشاعري المختلطة إلى السماء ما بين الفرح و الإرتباك و الترقب و الإنتعاش لحظة أن مرّ بي موسم الأمومه بنسماته الرقيقة و حرك شغاف قلبي ، و علمت أني أحمل في أحشائي جنيناً ،
حينها وضعت يدي على بطني بصمتٍ و ذهول و أحاسيس متجمدة ، و تراءت لي صورة طفلي متعلق بذيل فستاني و أنا أحاول المشي ، ثم عاودت انتباهي و بدأت أحسب عمري كأماً ، و أتساءل من هذه الروح التي تسكنني ؟ و مازلت انتظر الإجابة أقرءها على سطور الفضاء أو متعلقة بالنجوم ، أنا سأصبح أماً ؟
من الذي اخترق أحشائي و شاركني أنفاسي ؟ من الذي سيصبح مثل ظلي و سيناديني ماما ؟ و متى سأراه ؟ هل هو بنت أم ولد ؟ هل هو يشبهني و كيف سأتصرف معه و هل سأضمه و أرضعه ككل الأمهات ؟ وووووو أسئلة تزاحمت في فكري يشاركها خيالي الذي شمر عن ساعديه كالبطل حاملاً أفكاري على كتفيه راكضاً معها متجاوزاً حدود الخيالات ،
كم كنت أحب الأطفال جداً مذ كنت صغيره ، و عندما كنت أرى طفلاً كنت أُجَن لأحمله و ألاعبه ، فما حالي و أنا أمتلك طفلاً قطعةً مني هو بي و أنا به ؟ في تلك اللحظه التي باغتتني أمومتها كانت دموعي تشاركني لحظة الأمومة و تلمع فوق خدي و أنا أمسحها بيدي محاولةً إيقافها مع إني لم أكن أعلم سببها .
هذا الذي في بطني ماذا سأسميه ؟ اسمه مكتوب في السماء بين مجموعة كثيرة من الأسماء بجميع اللغات و كأنه نجمة تنتظر أناملي لتقطفها و تعلقها على جنيني ، سيكون اسمه أجمل الأسماء كما سيكون هو أجمل الأطفال ، و سأحبه نعم سأحبه مادمت أنا من سأقطفه من لوحة الأقدار و مادام حبه غُرس في إحساسي .
كنت مندفعة لإخبار أهلي أني حامل و فجأةً أحسست بالإرتباك و لكن مهما كان شعوري حتماً سأخبرهم و فعلاً أخبرتهم و كلي حياءً شديداً ولا أعلم لماذا !
كانت فرحة أهلي تحيطني و شعور أمي يغلفني أصبحت أشعر وكأن كل من في الوجود يهنئني ، و كل من حولي يوفرون لي سبل الراحة و أكثر ، و خصوصاً أمي التي أصبح إهتمامها زائداً و كانت تخاف علي من الحركة مهما كانت بسيطة و أنا حينها أشتد دلعاً ،
بعد أيام أصبحت أتحسس من بعض الروائح و أضحك من نفسي و أخجل ممن حولي و كأني أخبرهم إني أصبحت سيدة ناضجة كما السيدات اللاتي كنت أراهن يمارسن طقوس الحمل ،
كنت أراقب بطني متى سيكبر و سيصبح مثل الكرة ؟ كانت يدي دائماً تتحسسه و كأنها تبحث عن شيء ما ، جهزت ملابس الحمل و مازلت انتظر بروز الكرة ، لم تكن الكرة تبرز بسرعه لأني كنت أملك من النحافه الشيء الكثير ، كنت أقف أمام المرآه كل يوم و كأني أسألها أين الكرة ؟ شيئاً فشيئاً أخذت الكره تلعب دورها و اللاعب الوحيد هو جنيني ، كثر وقوفي أمام المرآه و أنا أراقب بطني و هي مازالت بشكل ربع كرة ،
كانت مفاجأتي عندما أحسست نبض خفيف في داخلي شهقت بصمت و انتفضت و اعتدلت بجلستي لأتأكد هل هذا جنيني بدأ الحراك ؟ أحسست بالخوف و ازدادت دقات قلبي ، عاود هو اللعب بخفة ، أريد أحداً أن يشاركني الإحساس ، و لكن ليس سوى الأم من تحس جنينها. نعم كبر إحساسي به و كلما زاد حراكه تعلقت به أكثر و أصبحت أتابع حركته بيدي و كأني ألعب معه و كانت بسمتي تقابله كلما تحرك و كأنه يراني و بداخلي شيء ما يقول له أنا ماما يا نور عيني ،، لو تعلم كم أحبك ،، لو تعلم كم أنا متشوقة لأن أحملك على صدري ،، و أرضعك و عيني تنظر إلى عينك ، و أصابعي تلمس أصابعك ، أشعر و كأنك ضوء بداخلي .
مرت الأيام و الكرة داخلي شيئاً فشيئاً تكتمل ملامحها و أنا أراقب من يلعب بها و كأنه يحاول تسجيل هدف بعيد المدى ، و في نفس الفتره كانت ملامح جسمي أيضاً تتحول و تتغير أكثر بسبب أطباق أمي اللذيذة التابعة لطقوس الحمل و التغذية لإثنين ، حتى افتقدت تلك الرشاقه التي كانت تلازمني ، نعم أصبحت سيدة كبيرة ، عفواً أقصد سيدة ممتلئة بأشياءٍ كثيرة .
أشكرك كثيراً يا أمي فلقد قدمت لي كثيراً من الحب و الإهتمام ، فأنا أتذكر حين انتهاء إجراءت الولادة و استقراري بعد ساعة على سرير الأمومه قدمت لي أمي تفاحةً خضراء لأأكلها ، يا لدهشتي من أين أتت أمي بتلك التفاحة و هي لا تزال دموعها تلمع في أهدابها ؟ و أنا غير مستعدة لأكل تلك التفاحة بعد ! .
مرت الشهور مع ما أحمله من تعب و معاناه عرفت بها كم قاست أمي و كم تحبني أمي و كم تحن علي أمي .
انتهت الشهور و روح الأمومة تسري في دمي ، و نبع الأمومة يتدفق في حضني ، و دفئ الأمومة يمتليء في ثديي ، أصبحت أعد الأيام و كلما كبرت الكرة و اقترب موعد المباراة الحاسمة ، كثرت الآلام و أصبحت يدي لا تفارق المسح على بطني فقد تعلقت به و تعلق بي ، و أصبحت لا أميز بين آلام الولادة و آلام الحمل و من الطبيعي ليس لي خبرة فأنا سألد للمرة الأولى و كان كل خوفي أن لا أتمكن من وصول المستشفى و ألد بالبيت أو بالسياره ،
و لكن حين اتخذ طفلي قراره للخروج أدركت أن تلك الآلام القويه هي المعنية ، أصابتني رجفة و ارتباك هرعت لأمي فاعتراها ماعتراني ، لا بل هي أكثر ، لأني أنا أجهل و هي تعلم ، و لكني مازلت أجهل ما سأعاني من آلام و من صرخات تخرج من حنجرتي بدون إرادتي و كأنه ليس صوتي ، فلم أكن أعلم يوماً أني أمتلك مكبراً للصوت داخل حنجرتي إلا يوم الولادة . فأنا قد تخليت عن صوتي الهاديء و عن خجلي و حتى عن جرأتي .
ذهبنا للمستشفى و أنا متشوقة جداً لذلك الطفل الذي سيشرفني من داخلي و سيقلدني وسام الأمومة ، و ابتدأت مغامرتي الجديدة بطلباتهم الغريبة المزعجة ، و آلامي تشتد و اندهاشي يزيد ، حقنوني إبرة مهدئة تجلب النعاس و هذا ما كنت أحتاجه ، أريد أن أنام و أهرب من كل تلك الأشياء الغريبة و التي أحسست أنها لا تعنيني ، و لن اهتم لأحد، و هذا في اعتقادي على الأقل ، فكلما أردت النوم تعاودني تلك الآلام التي يسموها الطلق و تزعجني ، و لكن مازال عندي أمل للنوم لحين أن هاجت عليّ طلقةٌ كالموجة العاتيه الهائجة من بعيد و التي أغرقتني داخلها بغضب ، لأفتح عيني صارخة من أعماقي حينها تراكضوا القائمون على مساعدتي و تشتد آلامي و يشتد صراخي و يشتد اندهاشي ماهذا ؟
ماتلك المعركة التي بها أنا وحدي أحارب ؟ لا بل كل تلك المعارك و الفتوحات الإسلامية يجب أن أواجهها أنا لوحدي و يجب أن أنتصر ؟ إنه بركان من الألم و زلزال من الصراخ ، و إعصار من الخوف ، و لماذا لا أحد أخبرني أن المعركة ، أقصد الولاده هكذا ؟ أحسست حينها أنه أكبر مقلب في حياتي و أني مخدوعة و لكن ممن لا أعلم ،
أنظر إلى من هم حولي و بدموعي أقول لهم ساعدوني فأنتم لا تعلمون الزلزال الذي بداخلي ، أريد أمي فهي لا يرضيها أن أتألم هكذا ، أريد زوجي فهو يحبني و لا يقبل أن أتألم و دائماً ما يكون المنقذ لي من كل أزماتي ، و الغريب الذي اغضبني أنهم يتعاملون معي على أنه أمر طبيعي ، و حتى الساعة كانت تعاندني فقد كانت عقاربها تحبو متكاسله ، و الوقت يتثاءب ببطء و خمول فاتحاً عينيه نصف انفتاحة ، و أنا الوحيدة التي كنت ألهث و أتمنى أن أقفز من الشباك العالي في تلك الغرفة و أهرب من كل شيء ،
هيا تفضل أخرج يا من أنت في بطني يا الله ارحمني برحمتك ، ساعات و ساعات و آلام و دعاء و صرخات ،، و بلحظة انفجر البركان و شرف طفلي للحياة بصرخة عظمى مني اخترقت الحجاب الصوتي و الضوئي و حتى الكواكب الأخرى ، و كأني أعلن بهذه الصرخه أنني أصبحت أماً و تملكت هذا اللقب المقدس الذي يفوق كل الألقاب حباً و حناناً ، حينها هلل الجميع فرحاً بنت جميلة بنت جميلة ، و أنا أريد أن أعاود أنفاسي معتقدةً أني سأرتاح و أنام بعد قدومها كما في الأفلام ، لا أدري أن الآلام ستستمر حتى لو كانت أخف من آلام الولادة لكنها قويه ،
استمريت بالبكاء شفقة على روحي من كل تلك المعركه التي عشتها لوحدي ، فأنا الإبنة المدللة (سموره الأموره ) كما كان أبي دائماً يناديني ، يحصل لي ما حصل !!! هههه ، و هل كان لأحد أن يلد نيابةً عني ،
انتبهت على صوت الدكتور و هو يقول خلاص يا ستي ، إنتي بتعيطي ليه ؟ حتسمي البنوته الحلوه أيه ؟ سميها إشراق .
نظرت إلى ابنتي النظرة الأولى التي كنت انتظرها من تسعة أشهر، و أنا أذوب حناناً للقاها ، و كأنني أريد أن أختبر مشاعري و أجربها كأم ، و مازالت دموعي في حيرة في أي مصب تصب ، إنها ابنتي إنها جميلة ، هناك شعور نحوها داخلي و كأنه قادم من بعيد لا أعرف له مسمى ، فتحت عينيها بصعوبة تحاول أن تراني ، حينها انقلب ما كان مراً إلى حلو المذاق ، ملأتْ الكون كله بهجة ، أريد أن أحملها أن أرضعها و أقول لها أنا ماما يا روح ماما ، أنت كنت بداخلي ينبض قلبينا معاً و تنمو روحينا معاً و ننام و نصحى و نتغذى و نتنفس معاً ، و أيضاً حتى و أنت في حضني ستكوني داخلي و في أعماق إحساسي ، فأنت قطعة مني ، كالقمر الذي بسط ضوءه على ضفاف حياتي ، سأشتري لك اللعب و أغرقك بالهدايا والفساتين و سأحافظ عليك و أربيك أفضل تربيه و سأجعل منك سيدة عظيمة أفخر بك ، متى ستناديني ماما ؟
كبرت ابنتي و أصبحت فتاة جميله ذكيه تشد أنظار الجميع بجمالها الداخلي و الخارجي ، حظيت بحب الجميع ، أصبحت و أمست صدقيتي و أختي بل و أمي ، و يا للمفاجأه طفلتي الصغيره أصبحت تُطلب للزواج ، أصبحت عروسة سحرت قلبي في ليلة زفافها ، نعم أصبحت ابنتي السيدة العظيمة (أنوار) زوجة جلال ، أنوار أم محمد ، و التي تستحق كل أم أن تتألم و تفخر لتنجب مثلها ، فهي نعم الإبنة و نعم الأم و نعم الزوجة و نعم الأخت و كل النعيم بها ، شكراً لله على هذه النعمة .