لقد كانت شخصية الإمام الرضا (ع) مجمع الفضائل و الكمالات التي جعلت له مقام القدوة و الجاذبية في قلوب الناس ، فالعطاء العلمي و المعارف القيمة التي ينطق بها ككنوز حكمة ، احتارت معها العقول مع هذا البحر الزاخر بتنوع لا يجدون معه له نظيرا .
كما أن علاقته بالله عز و جل خلقت نموذجا يحتذى به في التعبد و التقرب إليه تعالى ، عبادة جوهرها و مضمونها الخشية من الله و معرفة شأنه ، و لها حضور في حياة المرء و سلوكياته المصبوغة بالاستقامة و الورع ، فقد كان الإمام الرضا حليف القرآن الكريم و معيته ، و يلهج لسانه بذكر الله تعالى و الدعاء .
و أما تعامله الأخلاقي الرفيع مع الناس بمختلف طبقاتهم و تنوع أطيافهم ، زرع له محبة و إجلالا و خصوصا تعامله مع عبيده و جلوسه معهم على مائدة واحدة ، فلم يؤثر منه إلا صباحة الوجه و طلاقة المحيا ، ما عبس يوما في وجه أحد و لا ظهر منه انفعال غضب أو توتر ، بل كان عين الحلم و كظم الغيظ و تحمل النفس للمشاق و المتاعب و الصعاب .
و لم يكن الإمام يوما منزويا و منعزلا عن الناس إلا في ساعات انقطاعه إلى الله تعالى و مناجاته ، يتحسس حاجاتهم المتعددة ثقافيا و اجتماعيا و اقتصاديا ، فقد كان يجلس على المنبر في المدينة فينثال الطلاب و السؤال و يتحلقون من حوله ليرتووا من معين علمه ، و كان يستمع منهم فلم يترفع يوما عن الإنصات لمحدثه أو الإعراض عنه ، و يتحسس آلامهم و مشاكلهم أملا في تفريج همومهم و قضاء حوائجهم .
و هو صاحب معروف و إحسان و مساندة للمحتاجين و الفقراء ، فقد سار على نهج آبائه الطاهرين في تقديم صدقة السر ليلا دون أن يعلم به أحد .
و كل هذا الجمال في العطاء الفكري و الأخلاقي الراقي ، لم يشفع للإمام في قلوب الحاقدين و الناقمين على صيته و مكانته عند الناس ، فلم يهنأ للظالمين عيش و لم تقر لهم عين و هم يرون شعبية الإمام الرضا و محبته تزداد يوما تلو الآخر ، فبداوا في تدبير الدسائس للقضاء على حياة الإمام و إطفاء نور شخصه ؛ أملا في إخفاء صوت الحق الذي يمثله ، و لكن خاب مسعاهم ، فحتى بعد استشهاد الإمام و احتواء طوس لجسده الطاهر ، أضحى منارة هدى و رشاد على مدى الزمان ، فعشاق الكمال و الفضيلة و أهلها اتخذوه إماما و هاديا إلى سبيل الحق ، ينهلون من كنوز الحكمة المأثورة عنه ، و يتخذون سيرته العطرة محتذى و متأسى يورثونه للأجيال المتلاحقة .