من اسباب تزكية النفس ورقيها الصلاة بل هي من أهمها وأسماها -لما علم الله تعالى من وجود الشره المؤدي الى الهلاك والخسران في الانسان ، جعل الطاعات والعبادات خصوصا الصلاة صونا للنفس وحفظا لها عن الهلاك والخسران بل لرقيها الى مراتب الكمال ففي الحديث ( ما افترض الله على خلقه بعد التوحيد شيئا احب اليه من الصلاة ، ولو كان شئ احب اليه من الصلاة تعبد به ملائكته ‘ فمنهم راكع وساجد وقائم وقاعد ) فبها يزول الدنس كما في بعض الروايات ، وانها مطهرة للقلوب من المساوئ والعيوب ، وبها تفتح ابواب الغيوب ، وتطمئن بها القلوب وبها ترفع الدرجات وفيها المناجاة برفع الاستار وتتسع فيها ميادين الاسرار وبها تشرق شوارق الانوار ، وبها تزال الحجب والاستار بالقرب إليه وبها تصفو المحبة من كدر الجفاء ويتصل المحب مع حبيبه في محل الصفا. ‘ ولقد علم الله تعالى ضعف الانسان ووساوس الشيطان ، فقلل أعدادها وفرض في لليلة المعراج خمس صلوات في خمس أوقات بشفاعه نبينا الا عظم محمد صلى الله عليه واله وهذا لعوام الخلق والا فالعارفون من الخواص ( الذين هم على صلاتهم دائمون ) سورة المعارج منحهم ديموميه الصلاة من الازل
إلى الابد وهذا لا يدرك بالعقول القاصرة المشوبة بالمادة الزائلة فلا يعقلها الا العالمون بالله تعالى ، وإن المقصود والاثر المطلوب من إقامة الصلاه معنويتها لا مجرد وجودها وشبحها ، فإن الاقامة هي الاكمال والاتقان : يقال (فلان أقام داره ) أي : اكملها وجعل فيها كل مايحتاج إليه ، وإن إقامة الصلاة تعديلها من جميع الجهات – بالتوجه فيها إليه تعالى والتقرب بها لديه جل شأنه وحفظ أركانها وشرائطها حتى تترتب آثارها – فليس كل مصل مقيم ، وكم من مصل ليس له من صلاته الا التعب ، وفي بعض الاحاديث “من لم تنه صلاته من الفحشاء والمنكر ، لم تزده من الله إلا بعد ا” وعن نبينا الاعظم صلى الله عليه وآله ” إذا صلى العبد فلم يتم ركوعها ولا سجودها ولا خشوعها لفت كما يلف الثوب الخلق ثم تضرب بها وجهه” فالمصلون كثيرون والمقيمون قليلون وأهل الاشباح كثير وأهل القلوب وارباب المعرفة قليل والتعبيرات الوارده في القرآن الكريم في مدح المصلين أكثرها وأغلبها جاء بلفظ الاقامة او بمعنى يرجع اليه قال تعالى (الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلوة ) سورة البقره الايه 3 وقال تعالى حكاية عن ابراهيم عليه السلام (رب اجعلني مقيم الصلوة ) سورة ابراهيم الايه 40 وقال تعالى ( والمقيمي الصلوة ) سورة الحج الاية 35 وقال تعالى ( وأقام الصلوة ) سورة التوبة الاية 18 ولما ذكر المصلين بالغفلة قال تعالى ( فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون ) سورة الماعون الاية 5 ولم يقل سبحانه وتعالى : فويل للمقيمين الصلاة ، وفي الحديث ” أن العبد إذا قام الى الصلاة رفع الله الححاب بينه وبينه وواجهه بوجهه وقامت الملائكة من لدن منكبه الى الهوى يصلون بصلاته ” الى غير ذلك من الرويات والاحاديث
والتوجه والخشوع له مراتب :
1/خشوع خوف وإذلال وانكسار لعظمته وقهارتيه وهي للعباد الزهاد
2/خشوع تعظيم وهيبة وإجلال ، وهي للمتقين الابرار
3/ خشوع فرح وسرور وإقبال ، وهي للمقربين العارفين ، ويسمى هذا المقام بقرة العين قال تعالى ( فلا تعلم نفس مآ اخفي لهم من قرة أعين جزآء بما كانوا يعلمون ) سورة الم السجده الاية 29.
4/الجمع في مقام الجمع ، وهذه تختص بالاولياء والمقربين فيها تتم التصفية وتظهر المحبه ، وتفتح الابواب ويرتفع الحجاب ، فتخرج الروح من ضيق الاشباح الى فضاء الكمال في غالم الارواح ، أو من ضيق الملك الى سعة عالم الملكوت ‘ ولاشك أن إمداداته وإفاضاته جلت عظمته غير محدودة بحد ولا بزمان معين لصدورهما عن ذات غير المتناهي ، نعم ترد غلى العبد حالات خاصة وظروفا معينة يكون التوجه فيهما إليه أشد وأكثر ،فلها آثار مخصوصة لنجح المقاصد وإنجاز المطالب ، منها حالة الصلاة ، خصوصا عند الانقطاع أليه تعالى كالسفر والخوف والمرض وغيرها ، ولأجل ذلك ورد الاستعانة بها وقالوا : إن الصلاة لا تسقط في اي حال ، لأنه لا بد للعبد من حفظ الصلة بين ربه ، وبها تتم المحبة وتحصل المودة .
تنويه هام جدا في المقام
ثم ان عبارة (أشهد أنك قد أقمت الصلاة) تحتاج الى تأمل القارئ حيث كانت العبارة قاسما مشتركا في كل زيارات الائمة المعصومين عليهم افضل الصلاة والسلام وكلمات الزيارة هي كلمات معصوم لاحق كتبها وقننها عن معصوم سابق لتكون أنموذجا للجميع في كلمات تأدبية نخاطب فيها كما ينبغي أمامنا المعصوم .. وهذا القاسم المشترك يشير ليس الى الابعاد الوجوبية فحسب انما الى الابعاد العرفانية أيضا والتي اتخذنا منها عنوانا لبحثنا هذا..
متمنيا على القارئ محاولة البحث والغوص في أعماق هذا البعد الرائع (البعد العرفاني ) للصلاة وليس الوقوف على شطآنه فحسب..
هذا وصلى الله على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين.