تبادل اللكمات !!

من الآفات الفكرية و الاجتماعية التي تعصف بجلساتنا ، و تجعلها موئلا للخلافات و المشاحنات ، هو الشخصنة و التركيز على كل ما تنبت به شفتا الآخرين من كلمات و مواقف ، و قد سنت الرماح و شهرت سيوف الهجوم الكلامي للتسقيط و استصغار الغير ، و كل المنى هو العثور على هفوة أو موقف ملتبس ، فضلا عن رؤية موقف خاطيء بمعيار و موازين الأدلة و البراهين ؛ لتتحول كثير من جلساتنا إلى تشريح و تجريح الشخصيات ، و تتحول التداولات و النقاشات إلى تندر و سخرية ، فتعج مواقع التواصل الاجتماعي بألوان الاستهزاء و تقاذف الشتائم و تحطيم الآخر بكل الأبعاد .

هناك نقطة مهمة و برزخ مبين ما بين حرية الفكر و التعبير و تسجيل المواقف ، و ما بين الاعتداء على شخصيات الآخرين و إثارة البلبلة و نشر الخلافات و زيادة رقعة التمزق الاجتماعي و المساهمة في تحول المجتمع إلى فئات ( كانتونات ) تحصر نفسها في حلقة صغيرة ، مهاجمين كل من يختلف معهم و وسمهم بأقذع الألفاظ و أبذئها ، متناسين أن المظلة الاجتماعية بمعيارها الديني و القيمي و القانوني تفرض أسس التعاون و التفاهم و بناء جسور الثقة و المحبة .

فمن أين تسجل للمجتمع قائمة تنموية و حركة ازدهارية و هو يعيش حالة التناحر و الاحتراب ، و التي تؤججها و تؤسس لها تلك الاجتماعات و المنتديات و المجالس العقيمة ، و التي لا هم و لا غاية لجلاسها سوى الثرثرة و عرض العضلات و إبراز العنتريات و تسجيل الانتصارات الوهيمة و الزعامات الزائفة ، على حساب العمل الجماعي المتكاتف في سبيل النهضة الشاملة للمجتمع على جميع المستويات الثقافية و المهارية و العلمية ، و التي لا يمكن مشاهدة أثر ملموس لها في ظل الإصرار و التعمد لتجاهل و تسقيط الشخصيات الفاعلة الأخرى ، بحجج وهمية هي رد الخطأ و تحجيم الانتفاخات !!!

النقد البناء هو ما نركز فيه على الأفكار و المواقف بعيدا عن متبنيها و قائلها و المقتنع بها ، و نتعامل معها بكل مهنية و شفافية و معالجة فكرية سليمة ، نبتعد فيها عن التزمت و العواطف و العمياء و المصالح الضيقة و المناكفات التي لا طائل منها ، و لنضع المصلحة العامة فوق كل اعتبار محافظين على العلاقات الاجتماعية بين الأفراد بعيدا عن القطيعة و الكراهية ، أفلا يستحق التوقف و النظر أن تصل الأمور بالبعض إلى استباحة شخصية الآخر و الحديث عنه بسوء ، لا لشيء سوى أنه يختلف معه في فكرة أو تباين في وجهة نظر ؛ ليشحذ له سكين الظنون السيئة و الحقد و المنبوذية ؟!

نحتاج إلى نشر ثقافة المحبة و الحوار الهاديء و النقد الإيجابي ، و الذي نستطلع فيه الآراء دون نبز أصحابها ، و نخضع لأسس الاستدلال و تجويد الأطروحات ، متقبلين و متفهمين تشعب المعارف و طبيعة التباين في القناعات ، دون أن يكون ذلك الاختلاف مدعاة للتقاطعات و التشرذمات .


error: المحتوي محمي