الواحات البديلة لا تعوّض المفقود من سَيحات القطيف

عرض جغرافي للتوزيع الزراعي

يميل دارسو جغرافية القطيف إلى تقسيمها طبيعياً، ومنهم مَن يصفها “واحة”، وهي ـ في الواقع ـ سلسلة من الواحات، تختلف في مساحاتها. ولعل تقسيم محمد سعيد المسلم؛ هو الأقرب إلى التوصيف الجغرافيّ الطبيعي، في حال إدخال بعض التعديلات على ما دوّنه في “ساحل الذهب الأسود” قبل قرابة نصف قرن.

إن واقع الزراعيّ شغل ما مساحته 4500 هكتار، عام 1951، وضمّ قرابة مليون نخلة، حسب تقديرات عبدالجبار البكر، وقد سبق الحديث عن ذلك. وعلى الرغم من التغييرات التي طرأت على الواحة في الـ 50 سنة الماضية؛ فإن الملامح الأساسية لشكل الواحة الزراعية ما زالت كما هي تقريباً.

وعلى نحو من الأنحاء؛ يمكن القول إن ظهور ما يمكن وصفه بـ “واحات بديلة” في “أبو معن” وحول المطار يحمل بعض البشارة، لكنه لا يعوّض المفقود الكبير في المساحات الزراعية التقليدية. إن ما يجري هو إصلاح أراضٍ بُور، وهذا جيد، لكن الأولى هو الحفاظ على الثروة الموروثة.

الواحة الأم
تتركّز الكثافة الزراعية في الرقعة الكُبرى الممتدة من سيهات جنوباً إلى العوامية شمالاً، بلا أي فاصلٍ. كانت بحراً من النخيل، تتوزّع فيه جزر القرى. بحراً تحدّه رمال الدهناء من الجنوب والغرب الشمال وشاطيء الخليج من الشرق.

وعلاوة على سيهات والعوامية؛ تقع ضمنه: عنك، الملاحة، الجش، أم الحمام، الجارودية، حلة محيش، الخويلدية، القطيف(1)، التوبي، البحاري، القديح، العوامية.

عاشت بساتين الواحة على ريٍّ زراعيّ مصدره 119 عيناً جوفية على الأقلّ، طبقاً لما أحصاه المسلم سنة 1989م. (2)

واحة البدراني
موضعٌ متّسع وممتدّ من قرية الجش جنوباً، إلى عمق ملموس غرب الصحراء وصولاً إلى جنوب الأوجام شمالاً. وأهمية المكان التاريخية؛ كانت في كونه محطّاً تنطلق منه قوافل المسافرين إلى الأحساء ونجد والحج قديماً. وصفه الشيخ فرج العمران قائلاً إنه يقع “على ساحل البر، فيه مورد ماء عذبٍ قوي الدفع والجريان، نقي جداً، يأتي من عين في البر تُسمّى الخنيسفانية”، وهذه العين تنبع في موقع جنوب واحة الأوجام. (3)

واحة الأوجام
بلدة تقع غرب القطيف، منفصلة عن الواحة الأم ببضع كيلومترات. المسافة التي تفصلها عن البحر جعل منها نموذجيةً جداً لزراعة صنف “الخنيزي” من الرطب، علاوة على عذوبة مائها النابع من 30 عيناً جوفية.

واحة صفوى
بلدة تحوّلت إلى مدينة. موقعها شمال الواحة الأم، منعزلة بفاصل صحراوي صغير. تُوصَف مساحاتها الزراعية بأنها “كانت” كُبرى سَيحات القطيف. وكانت بساتينها تُروى من سبعٍ عيون ماء هي الأشهر بين عيون القطيف على الإطلاق، وبالذات “داروش” و “الجنوبية”. تميّزت صفوى بجمْعِها مِهنَ الزراعة والصيد بتداخل واضح.

واحة أم الساهك
تقع إلى الغرب من صفوى، وكانت نخيلها تُسقى من 6 عيون، وتقترب منها واحات اُخرى تكاثرت نخيلها الوحشية، جرّاء إهمال الزراعة فيها. وأهمها: الدريدي، الخترشية، الرويحة.

واحة أبو معن
من واحات الماء والنخيل الصغيرة التي كانت مربَعاً شتائياً لبعض أبناء القبائل، ومسكناً لقلةٍ من الحضَر. تحوّلت إلى بلدةٍ جديدة بعد طفرة النفط، لكنّ محيطها الصحراوي أظهر وعوداً زراعية بعد انتقال كثير من فلّاحي الواحة الأم إلى محيطها الصحراوي، وقد سجّلت التجارب نجاحات جديدة.

واحة الصبيغاوي
محط قوافل قديم شمال الواحة الأم. مختصٌّ بالمسافرين إلى العراق وما حولها. فيه بعض العيون الجوفية. ثم اكتسب أهمية جديدة بعد شقّ طريق الكويت (القديم) أوائل الستينيات، لكنه هُجِر بعد إنشاء الطريق السريعة الجديدة. وبقيت فيه بعض المزارع.

نخيل المطار
مساحات كثيرة من البساتين الجديدة التي نشأت ضمن سياسة إصلاح الأراضي البور في المملكة منذ السبعينيات. وأغلبها مشاريع فردية، لكنها ناجحة، ويمكن وصفها بأنها من الواحات البديلة التي حلّت محلّ المساحات الزراعية القديمة.

جزيرة تاروت
لا تُوصف جزيرة تاروت بأنها “واحة”. لكن شطرها الغربيّ أرضُ نخيلٍ تاريخية. تتكوّن الجزيرة من خمس بلدات: دارين وسنابس والزور، وهي من حواضر الصيد والغوص، وتاروت وهي البلدة الأم وأساس الزراعة، ثم الربيعية التي نشأت خلال القرن الماضي. يُضاف إلى ذلك الأحياء التي نشأت بعد طفرة النفط غربيها من أحياء المناخ والدخل المحدود والتركية والمنيرة والمشاري والمزروع والشاطيء.

——–
(1) تكوّنت مدينة القطيف الحالية؛ من اندماج عمراني لعدد من القرى القديمة، وهي: القلعة، الشريعة، الكويكب، الشويكة، الدبيبية، ميّاس، باب الشمال، المدارس، السطر، الجراري. وتُلحق بها الحباّكة، والخرّارة، وباب الساب، والوسادة، والمزيرع، وأم جزم، والدوبج، والمدني. كان بعضها قرى، وبعضها بساتين وسَيحات. يُضاف إلى ذلك الأحياء التي نشأت في مواقع بحرية، مثل: البحرية، الرابعة، الخامسة، الجزيرة، المجيدية، المزروع، الناصرة، حي الحسين. وما حدث للقطيف الأم؛ حدث للقرى التي توسعت على حساب الرقعة الزراعية.
(2) القطيف، سلسلة “هذه بلادنا”: 186.
(3) ثمرات الإرشاد، طبعة النجف، 1953، ص: 2 و 3.
:
:
الصورتان:
ما بقي من عين الصبيغاوي التي كانت قوافل العراق تتزود منها قديماً. الصورة بتاريخ 22 نوفمبر تشرين ثاني 2015.
من المشاريع الزراعية الجديدة الناجحة في أبو معن. الصورة بتاريخ 3 أكتوبر تشرين أول 2017.
انتشار النخيل الوحشية “الچِدْرانْ” حول أم الساهك. تاريخ الصورة 2 سبتمبر أيلول 2017.

 


error: المحتوي محمي