ها أنا ذا أعود, وعدتُ ورائحةُ القهوةِ المسكوبةِ على طاولتِي تتعثر بين شفتي, إلى أن أصل إلى قمة فلسفة الحياة وعذوبتها, فلست بحاجة لمراوغةِ قارئ ذكيّ لالتقاطِ حبّات عقد هنا وهناك على صفحتي، كان مِن الممكن أن تتناثرَ لولا الصّبرِ والسكون حيث تتعدد الأفكار والمواقف التي مِن خلالها تخرجُ اللّغة عن المباشرة, لتمزج رائحة الفكر برائحة الزمن بحكاياته الذي لا وقت له والمكان الذي يفقد أحلامه وواقعيته, ولنترك هذه العلاقة كنافذة مفتوحة للقارئ حتى لا يعتلي ملامحها الغبار.
كنت مترددة في بداية مقالي هذا هل أكون مباشرة في الطرح، وألقي فكرة المقال بلا مقدمة أو أن استجيب لرعشة القلب عندما أكتب, نعم يرتعش قلبي؛ فبيني وبين الكتابة ليلا شجون لحظات أنس, فمهلاً يا أعزائي, فكلمات الليل الناعسة التي تصل القراء، كأنها بلسم تتطاير منه أحزان العمر.
هذا أنا من أول نص حتى آخر نص, وهنا سأحاول أن أصل إلى عتبة نصي هذا, يكفيك من النص عنوانه هذا الذي يقف في وجه القارئ صادقا وجريئا, ولكنه يشي بالعناد والكبرياء كالمرايا الصقيلة تعكس ملامح النص بكل سطوره,هي انسكابه أي ومضة من سطر واحد،متسائلة نفسي كيف سأكتب النص المفتوح, ولعل كل ما أكتبه أيضا استثنائي, وقد يعجبك الجانب الغامض في كنه النص,حــــــــــاول يا صديقي القارئ أن تفتش بين السطر والسطرعن ذاكرة ضاعت من الحرف وعن كلمة خفية, لا تضمر معنى التردد.
رغم أني انشغلت كثيرا بالنص, صدقوني انشغلت إلى حد الحيرة فيما اكتب فيه,لكنني في النهاية كتبت شيئا كتبت الورد ذاته, وانشغلت بالتفاصيل البسيطة وأظنك كذلك,ولكنني أدرك أن الموضوع لم يكن ثرثرة البتة,ربما انك انطلقت بالقراءة فبدا لك الهدير الصاخب اعتباطيا ,وما أحببته في كتاباتي هذا الحب للقطيف الرائعة: إنها وجهة نظر، لا أحب شيئاً قبل القطيف ولا بعد القطيف, حيث أحس بالرهبة والخجل إن علمت أن أحدا من القطيف لا يقرأ ما أكتب عنها, لازالت القطيف تحتاج إلى أقلام تزرع الورد وأتمنى أن أكون أحدها,حيث أراهن أن أكون أنا, أنا لا زلت هي أنا, فهل لازلت أنت القطيف,فقط اخبريني ليكون بياضنا ممتدا على مساحة كل الزمن الذي ربطنا القدر معا؟
يبدو أن الدهشة قد اعترتني ثانية، دهشة تراكم الأشياء في العقل والقلب، و على طرف اللسان, قد يمكنني الالتهاء عن دهشة الكتابة بما أنني أكتب كل يومٍ تقريباً حسب ما تمليه عليّ أحاسيسي، لكن ما أكتبه كل يوم لا يعنيني كالعادة.
لم أرد أن أكون كاتبة لكني أصبحته, واليوم عندي كثير من القراء هنا وهناك, و أظن بأن هذا مفخرة, ولذا عليّ أن أكون متواضعة بشأن هذه القدرة, أنا فخورة بها وهي تمتعني, من الدهشة القول بهذه الصورة لكني أحترمها, حيث أفضل الأسلوب الواقعي رغم خيال فكري, و أحب الأجوبة والاستنتاجات، لكن حكاياتي لا تملك هذه الأشياء, فأنا أريد أن أبقيها مفتوحة على كل إمكانية, وأظن أن قرائي يفهمون هذه الأفكار,و قد اخترت لنفسي أن ابتعد عن الطريقة التقليدية في الكتابة, أمارس الكتابة ليس من باب الترف والهواية, لكنني وجدتها مسؤولية يجب أن أقوم بها دون ميل إلى أي جهة أو طرف أو طائفة, وكل كاتب يكتب بشكل آخر، فثمة الكثير من أنواع الكتابة, لكن في الأخير لا يبقى شيء غير صدق الإحساس بقطيف الهوى.
أتجنب من كلمات تخدش ذاكرة القارئ وأنا أحتسي فنجان قهوتي الصباحية مع وميض من الذكريات,لن أكتفي بفنجان قهوتي لأن سحر الركن سيأخذني, والوقت هنا لا يمضي بسرعة ولكن كل شيء له نكهة, حيث نكون, دوما الذكريات تسكن في الجانب المقابل لنا,وكلما نظرنا للأمام تترأى لنا مع مد البصر,في نسمة صيف,وفي تساقط المطر,إنها زاد المسافر عند السفر وأنا أعني ما أقوله.
نحن في منتصف نهار الصيف في القطيف, لا أحب شتاء القطيف لأن كل شيء من حولي يسكن, أحب الصيف فالحياة تدب هنا طول الليل ولأني أعاني دوما من الأرق, لذا لا أشعر بوحشة الليل إلا في الشتاء هنا, فا أنا منحازة لشمس القطيف الذهبية, لكي لا يكون التباس فالقطيف تلك بياضها السرمدي لا يدانيه في نقاوتها أي بياض في هذه الدنيا,الحبيبة التي امتدت ذراعاها لتحتضني أنا القادمة أحمل كل الدفء, وسمرة أهلها التي تؤرخك بأنك قد عشت فيها ولا يوجد في قلبك سواها, فمرحى لها بك ولتبقى هي ناصعة البياض تحتضن الجميع.
منذ أسابيع مضت وفي عاصمة الضباب, كانت السماء مليئة بالغيوم توشك أن تمطر, وكانت نفسي تحيط بها التوتر والترقب والقلق, وعقلي يكاد لا يفكر, أما قلبي خارج عن القانون وقلمي لا يعبر, حيث الفجر بلا اشراقة شمس, لنجعل الورد زاهيا بألوانه ونجعل الحياة أكثر نظارة, مهلا أيها القارئ أعرف إنك تسألني أو لديك فضول أن تعرف ماذا يسكب حبر قلمي وأنا ارتشف من فنجان قهوتي!؟
أستيقظ أحيانا حتى الساعة الرابعة، أو الخامسة فجرا ولا أقدر على النوم, هذا إذا نمت في الأصل, لا عليك أيها القارئ فان الليل لا يحل بدلا من الصباح والضياء, رغم حاجتنا لليل لنشكو له أحزاننا, ولكن هيهات من الركون إلى الليل, فالصباح مفتاح يوم جديد وحياة قادمة, ولا أشعرك انك تريد الليل كي تسهر,حيث موعدي مع الفجر الذي يعاند ويزاحم, ولكن أين هو الفجر ليبعث الأمل في يومي, وأين هو الليل ليعاتبني في سهري, هناك في جوف الليل حيث لا يراك أحد إلا أهل السماء فقط تشهد لك وعليك,تلك هي لحظات سماوية صادقة! ما رأيك أن تملأ رئتيك بعبق السماء مع ولادة فجر جديد مفتوحا ساخنا مع السماء.
نهضتُ من النوم فجرا ودخلت المطبخ و أعددت قهوتي, كانت اللحظات التي تصل الليل بالنهار طويلة ومعتمة, ولو كان بمقدوري البكاء لكان الحال أخفّ, لكن على أي شيء سأبكي؟ على من؟ لقد بالغت في التركيز على النفس ولذا لن أبك على أحد سوى من يستحق دموعي, وأنا لست عجوزا جدا ” هذا ما يبدوا لي” كي أبكي على نفسي.
أيا ً كان التناقض في مبادئنا في حال وجوده، وأنا أشك بوجوده عند البعض, فإن القواسم المشتركة بيننا أكثر بكثير من محطات التناقض من هذه القواسم مثلا وليس حصرا: حبنا لكل أطفال العالم، تضامننا مع كل الجياع والفقراء والمظلومين، ابتهاجنا برؤية الورود والعصافير، كراهيتنا المقدسة للظلم والتعسف والعدوان وغيرها الكثير جدا, وثمة قاسم مشترك هو الأهم : حبنا اللا محدود لأوطاننا وأراضينا وأبناء شعبنا, فإذا نحن ملتقون ولا ثمة تناقض بين مبادئنا وقيمنا وأخلاقنا ومشاعرنا.
عندما أدخل في موضوع الخطايا بخطوطها الحمراء ونحن نعيش في مجتمع شرقي محافظ, سأجد نفسي حرة وجريئة, لكن مع بعض التحفظ ليس خوفا, وإنما لأمارس مع نفسي أخلاقي ومبادئي التي تناسبني وتشبهني بسموها, مَن منّا بدونِ خطيئةٍ؟ هل الخطيئةُ أن أصرخَ في وجهِ الظّلمِ والنفاق, أم الخطيئةُ أنْ أحلمَ بأنَّني سوفَ أطالُ النّجومَ وأنا لا زلت على الأرض وهل الخطيئةُ أنْ أقولَ لا دون مجاملة والناس لا ترغب من لا يتفق معها أحد, أم إن الخطيئةُ أنْ تَحتال علي اللّحظاتُ الرائعة التي تستحقها؟ وهل الخطيئةُ أنْ أذهب إلى هنا وهناك وأعودَ ثانية لأنّني لَم أجد نفسي.
قرأت يوما إن إحدى المؤسسات الغربية أعدت استطلاعا عن معنى الحب، من خلال توجيه السؤال إلى مجموعة كبيرة من الأطفال, سأحاول أن أنقل لك جواب الطفلة ” بيلي ” وعمرها 4 سنوات :
الحب هو : عندما يحبك شخص ما فإنك تشعر بأنه ينطق اسمك بشكل مختلف, عن ما ينطقه بقية الناس انك تشعر بأن اسمك بأمان في فمه, دعني أسألك أيها القارئ الكريم : أيهما أكثر رجاحة عقل وبياض قلب هذه الطفلة البريئة أم المتصابي الذي بلغ من العمر عِتيا ولا يستحي من إرسال رسائل بأسماء مستعارة أو بدون أسماء ليغازل هذه السيدة المحترمة أو تلك الفتاة العفيفة ؟ والقارئ يستشف ما اصبوا إليه.
لو لاحظنا جميع الحكومات في العالم,فإننا سنجد فيها كلها وزارات للحرب والدفاع, ولكن لن نجد حكومة واحدة توجد فيها وزارة للسلام والحب, ألا يعني ذلك أن عالمنا المعاصر تائه متأخر,منذ فترة سأل مذيع القسم العربي في إذاعة غربية أحدهم: ما الذي تتمناه في العام والعالم الجديد؟ رد قائلا: أتمنى أن تصدر الأمم المتحدة قرارا أمميا يلزم حكومات العالم
باستحداث وزارة للحب قال: ألا تعتقد أنه أمر صعب ؟ رد عليه: لا إنه أسهل شيء, فقط نحذف حرف الراء من كل وزارة حرب
وإن باغتني سؤال ساخر كعادة البعض : من ترشحين لهذه الوزارة؟ حتما سيكون جوابي بلا منازع ولا تردد: أي عاشق أو عاشقة حقيقية لضمان نزاهتها وشفافيتها وصدقها.
الأخوة والأخوات والى كل القراء:
أشكر كل من يمر ويتوقف هنا عند هذا المقال ,والذي أدين لكم بجمال الروح والقدرة على رسم نص يجمع مابين كتاباتي,
ويظل يجمعنا الأرق والقلق لحين انتهاء النص,وحين يولد وتمرون به نتنفس الصعداء, نصوصي تتوه في الحلم,وتحلم بالأمل والإنسانية في زمان بات فيه غمض العين مستحيلا.
انحني احتراما لروحك الجميلة وان تمنح نصي عنايتك فمروركَ عطر يُسحرُني،أخبئ خلفه الكثير من الأحاسيس والمفردات, ليس لقلبي جانب آخر فمسائي يشبهني وصباحي يتنفس إحساسي.
اكتفي بهذا القدر فالمقال طويل ويحتاج إلى وقفة بل إلى همسة.
همسة:
أجمل ما فيك يا ذاتي، أنك لا تشبهي إلا نفسك, تشدو مع السرب لكن, بحنجرتك الخاصة، ليجيء إحساسك صافيا صفاء روحك نقيا نقاء قلبك، وحين تمطر سماؤك غضبا تكوني دوني, ألا يمكن للألم أن يفارق القلوب يوماً! .