
يحكى أن ضفدعًا سقط في بئرِ ماء، اعتقد الضفدع أن العالم هو البئر ولا شيء فوقه! إذا الإنسان ظنّ أنه أعطي الحكمةَ والعلم كله، يعلم كلّ شيء عن كلّ شيء وغيره لا يعلم شيئًا عن شيء صار مثل الضفدع جاهلًا مركبًا لا يعلم الجاهلُ أنه جاهل.
في عصر ثورة تقنيات التواصل اعتقدنا أنّ المعرفة تتسع وبحيرات المعرفة تصبح محيطًا يتَشارك فيه العالم، لكن يبدو أن هذا المعتقد أقرب إلى خرافة غير قابلة لتنتقل من عالمِ الوهم إلى عالم الحقيقة؛ فإذًا الحقيقة تصبح أن الإنسان كائن عصيّ على التبدل والتغير الفكري الجذري!
الواقع هو أننا نصبح أكثر جهلًا عندما نفكر أننا صرنا علماء! لذة العلم هي أن ندرك أننا أقل من أن نعرف كل شيء ثم تدفعنا شهوة العلم إلى الخروج إلى العالم الخارجي والأوسع؛ نناقش الفكرةَ قبل أن نحكم عليها ونُقارع الدليلَ بالدليل وندفع الحجةَ بالحجة.
وصف الإمام عليّ عليه السلام الجاهل فقال: “الجاهل صخرة لا ينفجر ماؤها، وشجرة لا يخضر عودها، وأرض لا يظهر عُشبها”. وأن الجاهل ميت وإن كان حيًّا! ليس مطلوبًا منا أن نحيي العالم ونعلم الجهال غير الراغبين؛ يكفي أن نعلّم أنفسنا أولًا ونخرج من البئر وفي هذا العصر مليون سلم للخروج من البئر، ولا يزال الكتاب منذ أن تعلم الإنسان القراءةَ والكتابة أفضل سلّم للخروج من البئر!
أول درس في الخروج هو معرفة أننا مختلفون ولو شاءَ الله لجعلنا نسخةً مكررة فماذا يكون شكل الكون دون الاختلاف “الطبيعي”؟ لو خرج الضفدع المحبوس لرأى مخلوقاتٍ كثيرة لا تشبهه؛ أصغر وأكبر منه، عليه أن يحذر من بعضها ويتكامل مع قسمٍ منها ويستفيد من القسم الآخر! وأن هناك شمسًا وقمرًا ونجومًا وكونًا عظيمًا لا يملكه إلا الله! ليس لأمة أو طائفة أو ديانة! شمسًا تضيء من يؤمن ومن يكفر، قمرًا يسير مع من يؤمن ومن لا يؤمن والكلّ تحت مظلة الله!
جمال الكون في “الاختلاف” المحسوب {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ۖ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ}، مختلفين في الأفكار والأذواق وهو سبحانه وتعالى لو أرادَ أن يسلبنا حرية الاختيار ويجعلنا على شاكلةٍ واحدة لفعل! فأي منفعة وفائدة توجد في نسخة مكررة؟
غاية المرام هي كما يوصي الإمام علي عليه السلام: قول “لا أعلم” نصف العلم! فإذا أقررنا بالجهل نكون قطعنا نصفَ مسافة الخروج من بئر الجهل نحو فوهة العلمِ والمسافَة الباقية في كيف؟ متى؟ ولماذا؟ وما بقي من أدوات السؤال!