هذه الصورة النادرة التقطت قبل ميلادنا بعقود وكنا كلما قدِمنا لمجلس الوالد الكبير أبو السيد حسين رحمه الله نرمقها بشغفٍ وهي مثبتة في إحدى زواياه فتنقلنا في رحلة عفوية نحو الماضي وأيام الأجداد الطيبيين ننظر لرسم ذلك الجد الكريم الذي لم نسعد برؤيته بقامته الطويلة وطلته المهيبة وملامحه العربية الهاشمية وهو يحنو بأصابعه حول أبناء عشيرته وخلفهم نخلة القطيف الشمّاء الشامخة.
التقطت هذه الصورة عام 1361هـ بعد خروج الجد السيد أحمد الماجد من حمام أبو لوزه وكان من عادته أن يذهب هناك مرة كل أسبوع يرافقه فيها بعض من أطفال العائلة ويبدو الجد المرحوم السيد أحمد سامقًا في وسطها وعلى يساره السيد حيدر الماجد وفي الوسط علوي الهواشم يليه السيد علوي آل السيد صالح رحمهم الله جميعًا.
ولد الجد السيد أحمد بن السيد ماجد بن السيد حسين بن السيد هاشم بن السيد مكي بن علوي بن السيد علي آل ماجد يوم الأحد الحادي عشر من صفر عام 1294هـ. عاصر العلامة الشيخ محمد النمر والعلامة الشيخ منصور المرهون اللذين سكنا الدبابية وكانا يقضيان فيها بضعة أيامٍ كل أسبوع وكذلك العلامة الشيخ علي بن مكي السويكت.
أصبح السيد أحمد عمدة الدبابية بعد وفاة عمدتها السابق علي بن منصور آل إخوان -رحمه الله. كان السيد أحمد شجاعًا، ذا شخصية قوية مهاب الجانب، يحترمه الجميع ويجلونه ويعلون شأنه. وكان له دور بارز في وقعة الشربة بالدبابية والدفاع عن بلدته الدبابية أثناء حصارها خلف سورها وأبراجها الثمانية مع شيبها وشبّانها ومنهم صديقاه المقربان المرحومان الحاج سليمان آل إسماعيل والسيد مكي المشقاب. هذا الحصار الذي امتد لسبعين يومًا وأحداثه التي بدأت يوم الخميس 18 جمادى الأولى عام 1326هـ وانتهت في 2 شعبان من العام نفسه، حيث كان عمر السيد أحمد حينذاك 32 عامًا.
ساهم السيد أحمد مع إخوانه النشطاء اجتماعيًا في القطيف في قضاء حاجات البلاد واستثمر وجاهته وموقعه الاجتماعي المتميّز أمثل استغلال في قضاء حوائج الناس وإصلاح ذات البين وكان بيته مقصدًا للجميع يسميه أهل الديرة (بيت جدي)، سواء كانوا من أبناء العمومة أو من أهل البلدة، يلوذ به الصغير والكبير والمحتاج والمتعفف، نساءً ورجالًا، وكان مجلسه العامر محل اجتماع الوجهاء والأعيان. كما كان عضوًا في أول مجلسٍ بلدي في منطقة القطيف ضم إلى جانبه كلًا من المرحومين عبد الله إخوان وحسن علي المرزوق وحسن بن نصر الله.
وكان له دورٌ رئيسي في إدارة العديد من المشاريع الخيرية مع الخيرين من أهل هذه البلدة الطيبة ومنها بناء الحسينية العودة بالدبابية بالاشتراك مع أخيه الحاج مهدي بن مسعود الجشي عام 1362هـ، والتي دوّنها ابنه المرحوم السيد جعفر بأبياته:
نال السعادة والدي وعلا كما تعلو النجوم
ورقي لمدرجة العلى وكذا مساعده الحميم
أعني أبا عبدالكريم الفذَّ وفّقه الكريم
قد جاهدا لبنائها فجزاهما الذكر العظيم
توفي السيد أحمد بعد حياة حافلة بالخير والعطاء في العاشر من ربيعٍ الثاني عام 1389هـ.
أما الشاب الظاهر في يمين الصورة وهو السيد حيدر علوي السيد رضي آل ماجد فقد توفي في عز شبابه بعد معاناة من المرض.
أما علوي السيد أحمد الهواشم (الطفل الصغير في وسط الصورة) فقد ولد عام 1354هـ. ونشأ في كنف والده الكريم السيد أحمد وجده لأمه السيد أحمد وخاله السيد جعفر. تعلم مبادئ القراءة والكتابة تحت يد الملا صادق المرهون في الدبابية والمعلم السنابسي في بلدة الكويكب وابتدأ حياته العملية بمحل صغير في سكة الحرية ثم التحق بسلم الأعمال الحكومية بدأً بوزارة الصحة وانتهاءً بالبلدية حيث تدرج في وظائفها من مساح حتى وصل إلى رئيس فرع البلدية بأم الحمام والجارودية واستمر في عمله بالبلدية حتى تقاعده عام 1410هـ. كان عضوًا فاعلًا في جمعية القطيف الخيرية ومن الأعضاء المؤسسين للجمعية التعاونية بالقطيف. كان السيد علوي ملازمًا للصلاة مع العلامة الشيخ فرج العمران بمسجده العامر بالمدارس ومن بعده لنجله العلامة الشيخ حسين واستمر ناشطًا في المجتمع مشاركًا لهم في أفراحهم وأتراحهم حتى وفاته في 14 صفر 1440هـ.
ورحل آخرهم وهو السيد علوي السيد علي آل السيد صالح هذا الأسبوع عن عمر تجاوز المائة عام.
ولد السيد علوي في العام 1343هـ وتعلّم القراءة والكتابة ومارس أعمالًا تجارية مختلفة ويعرفه الصغار الذين كبروا الآن على أنه من أقدم بائعي ألعاب الأطفال في محله في سوق القطيف في الزاوية الجنوبية الغربية لمياس، وكان في قوته وصحته متميزًا في جلب مختلف أنواع الألعاب التي تستهوي جيل ذلك الزمن وقد عرف عنه تعلقه بالمجالس الحسينية التي لم ينقطع عنها إلا حين أعياه المرض وتهاوت صحته كما كان يتلو القرآن في المجالس الرمضانية وكان قيّومًا على مسجد الشيخ خميس بالدبابية حيث كان يصدح بالأذان فيه لسنوات عديدة.
وبعد معاناة مع المرض دامت عدة سنوات رحل السيد علوي السيد علي آل السيد صالح يوم الأحد الموافق التاسع من شهر ذي القعدة لعام 1444هـ.
وبرحيله طويت صفحة تاريخية لجيل من الرجال الكرام عمرها قرنُ من الزمن رحمهم الله جميعًا.