الصداقة التفاعلية

تلك العلاقة الانسجامية و التوأمية بين قلبين يحملان مشاعر محبة صادقة تجاه بعضهما ، و بين عقلين يتقاربان في وجهات نظرهما للحياة و الأحداث ، و ينصتان لبعضهما في حوار هاديء لتقريب وجهات النظر ، و يهرع كل واحد منهما لنجدة و مساندة الآخر إن وقع في مشكلة ينتشله من وسط ركامها ، و يطيف خياله فلا يفارقه و لذا فهو دائم التفقد و الاهتمام بأحواله ، يستمد من صاحبه ضياء الابتسامة و التفاؤل و التعامل مع الأمور بعقلانية و بعيدا عن التهور .
الحديث عن معالم هذه العلاقة الجميلة كمعلم رائع من روائع ما تقدمه الإنسانية في أبهى حللها ، يعد كتنفس عبير فواح من وردة زاهية لا يمل النظر إليها و لا يكل عن شم عطرها ، فالصداقة لا تقتصر على تنميتها للجانب الاجتماعي من شخصية الفرد فقط ، بل هي عامل تنموي يزرع الأمل و الطموح و الاستقرار أمام التحديات و الصعاب ، و يضعه على سكة مواجهة الأزمات بكل اقتدار و قوة لما يجده من مساندة ، و يدفعه نحو مواجهة التحديات و الصعاب .
و مظلة العمل الاجتماعي القائمة على الثقة و التعاون و روح العمل الجماعي المشترك ، ترفدها علاقات الأصدقاء الناجحة بعناصر فعالة تسهم في إنجاز الشيء الكثير ، فالمرء يتأثر بالمحيط النشط من حوله و يمده بروح المثابرة و التفاؤل ، فتعطي الصداقات ثمارها و نتائجها الإيجابية على الفرد و المجتمع ، كما تقيه من الكثير من السلوكيات غير المقبولة .
تعتبر الصداقة من أفضل العلاقات التي تحمي الفرد من الإكتئاب و سوء الحالة المزاجية ، فالصديق يقضي بصحبة أصدقائه أوقات ممتعة ، و عندما يشعر بضيق يلجأ إلى أصدقائه ليقضي معهم وقتا ممتعاً يعيد له هدوءه .
كما أن الحالة النفسية و مزاج الفرد يتأثر بالاحتكاكات و المواقف اليومية ، و التي يتعرض فيها لمضايقة أو كلمة مسيئة أو إخفاق في إنجاز أمر ما ، مما يطبع على محياه و وجدانه الحزن و الألم و التفكير السلبي ، فيحتاج إلى ما يفرج همه و يبعد عنه الأجواء الكئيبة التي يحياها ، و لن تجد عونا في استعادة التوازن النفسي و العاطفي من فضفضة مع صديق وفي ، يتلوها تقديم بعض النصائح و التوجيهات تعيد له الحيوية و النشاط ، كما أنه يشاركه في آماله و تطلعاته بتقديم الأفكار و التصورات المعينة لوضع خطة شاملة و متكاملة لعمله و يتابع معه الخطوات اللاحقة .
و الحديث الهاديء و الحوار المتزن بين الأصدقاء يقوي روح التفاعل مع الآخرين و تقبل الرأي الآخر ، بعيدا عن التعصب و التزمت و الانفعال الشديد أثناء الحوارات الملتهبة و التي تشابه صراع الديكة ، فالصديق الهاديء يشكل مكونا أساسيا في المجموعة عند استعراض أي مشكلة تخص أحدهم أو مشكلة عامة ، و يسهم في تقديم تصورات للحلول و المعالجات الممكنة يقدمها كمقترحات و وجهات نظر .


error: المحتوي محمي