روي في مرضِ الأولاد أنّ الأم تصعد السطحَ وتأخذ الخمارَ من رأسها فتبرز شعرها تحت السماء ثم تسجد وتقول: اللّهُمَّ رَبِّ أنْتَ أعْطَيْتَنيهِ وَأنْتَ وَهَبْتَهُ لي، اللّهُمَّ فَاجْعَلْ هِبَتَكَ اليَومَ جَديدَةً إنَّكَ قادِرٌ مُقْتَدِرْ، ثمّ تسجد فإنّها لا ترفع رأسها إلّا وقد برأ ابنها.
امرأة واحدة في حياتنا إذا مرضنا مرضت، إذا سعدنا سعدت، إذا حزنا حزنت؛ مشاعرها قطعة من مشاعرنا! ابتسامة تقابلها ابتسامة ودمعة تقابلها دمعة! رحمَ الله أمي وأمهاتكم؛ كم مرة مرضنا بعد أن كبرنا في حضرتها فنراها ترسل على شفتيها دعوة من الأرض إلى السماء! السماء تنتظر الدعوة فيأتي الشفاءُ وتدبّ العافيةُ سريعًا!
لحظات بين بوح الأم بمشاعرها إلى الله وبين قبولها تتعدى حدود المرض وحالات الخطر وتسري في كل حالٍ من أحوال الأبناء؛ زواج، عمل، تجارة، دراسة، سفر، وغير ذلك. القارئ الكريم والقارئة الكريمة، يمكنكما أن تتخيلا الحالات والمصاعب التي تعترض الحياة ويستعصي حلها وتحتاج إلى مفتاح الأمومة!
يبدو الأمر سخيفًا عندما نظن أننا لا نكبر أمام الأمّ أبدًا -في حياتها وبعد مماتها- إذا ألمّ بنا طارئ في الصغر ركضنا نحو حضنها فقالت: تعالَ يا حبيبي، تعال يا صغيري. إذا كبرنا وأطعمتنَا الدنيا صفعاتٍ قلنا: أين أنت يا أمي؟ جرعتني الدنيا كأسًا من الحنظل، لو كنتِ هنا استحال كأسًا من العسلِ والسكّر!
أخاطب الشبّان والشابّات من أبناء هذا الجيل: لا تكفروا بنعمة الأمّ! عندكم أمهات فيهنّ محبّة لا متناهية وهنّ مظنة إجابة دعاء من الله سبحانه! اطلبوا هذه المحبةَ الطاهرة والدعاءَ الخالص. أنتم تعلمون أن الله أكرم من أن يردّ دعاءً خالصًا لوجهه! إذًا كيف يردّ دعاءَ أمّ لولدها أو ابنتها؟
إياكم وسخطها! حياتكم بائسة دون محبتها ورضاها! يأتي يوم تبحثون عن أمهاتكم -بعد عمرٍ طويل- بين القبور وتتمنونَ عودتها لحظة واحدة لتنالوا بركاتها ولكن هيهات حينذاك! الآن صَحوتم من سكرتكم؟ هي لن تعود!
دلّلها، دلعها، قل لها: كم أنتِ رائعة وجميلة يا أمي! لو لم يكن بر الأمّ واجبًا شرعًا لكانَ واجبًا عقلًا. نبغض ونغضب من شخصٍ نمسك له البابَ ولا يقول لنا: شكرًا، ثم ننسى أن نقول لباب السماء -الأمّ- شكرًا! القارئ الكريم والقارئة الكريمة، ألا تستغربان إذا سمعتَما بابن لا يرى أمه أو لا يكلمها عدّة أيام؟ هناك كثيرون هكذا!
في أيام غفلة الشباب نكتفي برؤية الأم خمس دقائق -إذا حدثت- في اليوم أو في الأسبوع ونستغرب لماذا لا يزورنا أولادنا وبناتنا؟ كيف ينسونا؟ نحن الذين نسينا أمهاتنا فنسينا بناتنا ونسينا آباءَنا فنسينا أولادُنا! دقَّة بدقَّة ولو زدتَ لزادَ السقّاء!