صدفةً ترى نفسك تتحدث مع أحد العمالة الذين يقفون في مختلف الأماكن ومنها المجمعات التجارية يتلقفون الزوار لتنظيف سياراتهم، ولتكتشف من خلال حديث عابر أن بعضهم يعمل لدى جهة معينة ولم يتسلموا رواتبهم ربما من لحظة وصولهم بلادنا العزيزة ولأسباب أقل ما يقال عنها أنها غير معقولة مهما كانت الأعذار.
هؤلاء تركوا أوطانهم وأهاليهم باحثين عن لقمة العيش، وربما اغتربوا لأول مرة في حياتهم، منهم الأعزاب ومنهم المتزوجون، ولديهم آمال وتطلعات يأملون تحقيقها، وإذا بهم يصطدمون بالواقع المر والمحبط من أول وهلة، والسبب تأخير رواتبهم المستحقة، وكأنه لا يكفيهم السكن المتواضع الذي أعد لهم كيفما اتفق، ولربما أسوأ من السيء من الذي كانوا يعيشون فيه في بلدانهم، ولا ندري كيف يأكلون ويشربون وينامون.
هؤلاء لا يهمهم ماذا ومتى وكيف يعملون، فقد وطنوا أنفسهم من لحظة وداعهم أهاليهم وقد وعدوهم بتبدل الحال لما هو أفضل، فتركوهم يحلمون وينتظرون أن تتحول لهم الدراهم سريعًا، وقد أصبح ذلك سرابًا، وأحلامًا تبددت مع الهواء.
ليست مشكلة هؤلاء المساكين أن تتأخر مستحقات المقاول الفلاني ولا المؤسسة أو الشركة الفلانية، أو أن تقل أنشطته ويتراجع مكسبه ليعتمد هؤلاء الكادحون على كلمات تستغفلهم، لكي يصبروا ويصبروا لأن كفيلهم لم يتسلم مستحقاته من الجهة التي يعمل بها أو ينتظرون أن يتبدل حالهم للأفضل الذي طال انتظاره إن كان هو الحقيقة.
لا ذنب لهؤلاء، والأمر لا يخصهم. وليست مشكلتهم مع أي طرف سوى مع من جلبهم ليعيشوا التعاسة، ولم تراعَ إنسانيتهم ولا حاجتهم وحاجة عوائلهم الذين فقدوا عائلهم من أجل تحصيل يحفظ لهم ماء وجوههم والعيش بكرامة كبقية البشر، فمن حقهم تسلم حقوقهم وبأي طريقة، ومن المفروض على هذا وذاك ممن يعدون أنفسهم رجال أعمال أن يكون أكفاء وعلى قدر كبير من المسؤولية لحفظ كرامة الإنسان، فلا الدين ولا العرف ولا القوانين تجيز لهم بخس الناس حقوقهم فهؤلاء يعدون أبناء كفلائهم، وأن يعاملوا تمامًا مثل الأقاربهم والأرحام مع إعطائهم حقوقهم غير منقوصة، فهذه مسؤولية أخلاقية يحاسبون على التقصير فيها، ولا توجد اتفاقية تجيز لهم تجاهل هؤلاء المساكين والتلاعب بأعصابهم بين الوعد والوعيد.
ليس هناك تمايز بين الناس في الرزق وقد هيأه الله تعالى لكل أحد، فلا يعقل أن يسلب منه أو يؤخر عنه “أعط الأجير أجره قبل أن يجف عرقه” وأي عرق وأي جهد وأي تعب في بعض الأعمال والأشغال وخاصة في هذا الفصل من السنة الذي نعيش شدة لهيبه وحرارته.
فلا غرابة إذا ما رأيت هؤلاء في أي مكان: في الشوارع.. حول المجمعات.. وعند القمامة يبحثون عما يمكن بيعه وربما أكله، ولا غرابة إن مرض بعضهم أو مات حسرة، أو حتى انتحر قهرًا.
أعطوا الأجير أجره حتى لو من لقمتكم، فهو إنسان أولًا وأخيرًا وكرامته ككرامة باقي البشر، والفرق فقط أن الله تعالى كتب أن يعيش بحالٍ مختلف، واغترب ليعيش حياة ستر وعفة، وما يدرينا؟ فلربما انقلب الحال لا سمح الله لنصبح نحن أو من يلينا على شاكلتهم ونعيش الدور نفسه، وليس ذلك بمستغرب، فقد عاش أهلنا السابقون الفقر على شدته، قبل أن يكرم الله تعالى بلادنا الغالية بكرمه وفضله ويغنيها من غناه لتصبح قبلة الآملين في حياة أفضل كما هي قبلة المسلمين منذ الأزل.
ارحموا هؤلاء ممن قاسوا الحرمان في بلادهم وتلطفوا بهم وأدوا لهم حقوقهم، فأنتم لا تتصدقون وأنتم مسؤولون عنهم أمام الله عز وجل، فلا تمييز عنده تعالى بين عباده إلا بصدق العبادة، ومن صدقها أداء الحق لأهله.
وقفة:
اشتروا من المواطنين المزارعين بعض ما يزرعونه ويقطفونه من مزارعهم ويعرضونه عليكم بأرخص الأسعار، وإن استطعتم فاشتروه كله ووزعوه على أحبابكم ولا تتركوهم عرضة للهيب الشمس وحرارة الصيف، ولا تغفلوا ملاطفتهم ولو بكلمة. وأجركم على الله تعالى
والسلام..