“لَسْتَ قَلْبِي”: قصة قصيدة وأغنية

بعد نشر قصيدتي “وَمِنَ الدَّمْعِ قَطْرُ نَدَى” هنا قبل أيام دارت بيني وبين بعض الأصدقاء مراسلات حولها أو حول بعض الأبيات التي جاءت فيها، كلّ حسب ما لامس قلبه أو ذائقته الأدبية[1]. والبيت:
وما لعشقٍ أن يدوم دونما …. صفحٍ وصبرٍ من فؤادٍ يَدْمَعُ

كان الأكثر اقتباسًا من المعلقين أو الرّادين على رسائلي لهم لإطلاعهم على القصيدة، إمّا لأن فيه معنى يلامس شغاف القلب أو حكمة ينتظرها العاشق المبتلى.

ولكن البيت:
لقد نسيتَ طولَ عِشرةٍ ومُذْ .… عشقتَ ما عُدْتَ ترى أو تَسْمَعُ

استحوذ على تراسل أكثر مع صديقين عزيزين، حتى وصل إلى أن ذكرت لأحدهما أبياتًا من قصيدة كامل الشناوي “لستَ قلبي”. طلب المزيد منها فأرسلتها له كاملة وذكرت له سبب كتابتها وتحولها إلى أغنية. أعجبته القصيدة وقصتها واقترح نشرها. وبعد تردد قررت نشرها فقمت بتجميع المراسلات وإعادة صياغتها في هذه المقالة التعريفية القصيرة لمن يستهويه الشعر وخبايا الشعراء وقصائدهم، أو الفن وحكاياته.

تقول كلمات القصيدة:

أنت قلبي فلا تخف وأجب هل تحبها
وإلى الآن لم يزل نابضًا فيك حبها
لست قلبي أنا … إذًا إنّما أنت قلبها

كيف يا قلب ترتضي طعنة الغدر في خشوع
وتداري جحودها في رداءٍ من الدّموع
لست قلبي وإنّما خنجر أنت في الضّلوع

أو تدري بما جرى …أو تدري دمي جرى
أخذَت يقظتي ولم تُعطني هدأة الكرى
جذبَتني من الذّرى ورمت بي إلى الثّرى

قدرٌ أحمق الخطى سحقت هامتي خطاه
دمعتي ذاب جفنها … بسمتي ما لها شفاه
صحوة الموت ما أرى أم أرى غفوة الحياة

أنا في الظّل أصطلي لفحة النار والهجير
وضميري يشدّني لهوى ما له ضمير
وإلى أين؟ لا تسل فأنا أجهل المصير

دمَّرتني لأنني كنت يومًا أحبها
وإلى الآن لم يزل نابضًا فيك حبها
لست قلبي أنا … إذًا إنّما أنت قلبها.

“لست قلبي” الأغنية

كان المطرب عبد الحليم حافظ صديق الشاعر كمال الشناوي وملاذًا له يلوذ به عندما يريد أن يبث أحزانه وأوجاعه وهمومه. وقيل أن الشاعر الشناوي كتب قصيدة “لست قلبي” ليصف فيها حبه للفنانة نجاة الصغيرة التي لم تبادله الحب، فكان حبًا من طرف واحد، فخرجت الكلمات لتعبر بصدق عما كان يجول في صدره من آلام الحب والعشق والخيانة، حسب تصوره.
وفي عام ١٩٦٧م غنّى عبد الحليم القصيدة، بألحان محمد عبد الوهاب، في فيلم “معبودة الجماهير”، بطولة عبد الحليم والمطربة الممثلة شادية. كتب الكاتب المعروف مصطفى أمين قصة الفيلم الذي أخرجه المخرج السينمائي حلمي رفلة[2].

نقد القصيدة
أثارت القصيدة المغناة سخط وغضب رجال الدين في مصر بسبب جملة: “قدر أحمق الخطى سحقت هامتي خطاه”، التي اعتبرت اعتراضًا على المشيئة الإلهية، وقال الشيخ محمد الغزالي، في إحدى اللقاءات الإذاعية، كما ينقل، أنه لا يجوز وصف القدر بالأحمق لأن هذا مخالف للدين، في حين أن كثير من الأدباء والنقاد قالوا أن الأغنية (القصيدة) تعبر عن حالة نفسية من الغضب الشّديد وصلت إلى ذروتها في “قدر أحمق الخطى”، ورأى بعضهم أن الأغنية ظهرت في فترة زمنية يشوبها عدم الاستقرار السياسي في البلاد.
______________
الهوامش

[1] أستغل هذه الفرصة لأشكر الصديقين الشاعرين، الأستاذ عادل دهنيم والدكتور عادل الحسين، لمراجعة القصيدة والمساهمة في رقيها واستحسان المتلقين لها. وتظلّ مسؤليتي وحدي عمّا بَقِيَ فيها من أخطاء وهنّات.

[2] تدور قصة الفيلم حول ممثلة اسمها سهير تقع في حبّ ممثل ناشئ ومغمور (إبراهيم)، ويخشى مدير أعمالها وأفلامها المستفيد من نجاحها أن يخسر نتيجة انشغالها عن فنها بالحب والزواج، فيقوم بإرسال إمرأة لها تدّعي انها زوجة إبراهيم فتثور سهير لكرامتها وتهينه أمام الجمهور، لكنه بموهبته وجهده يصبح مطربًا مشهورًا وكان نجم سهير قد هوى. تنكشف الحقيقة للعاشقين، ويلتم شملهما من جديد.



error: المحتوي محمي