هل تغيّر فصلُ الصيف أم نحن الذين تغيّرنا؟

فصل الصيف جاء وحان سفر الكثير من مواطني دول الخليج إلى بلدانٍ أقلّ حرارة؛ مليارات من الدولارات يصرفونها سنويًّا في وجهات سياحيّة، الباقون منهم يدخلون في بيات صيفيّ خمسة أشهر لو استطاعوا إلى ذلك سبيلًا! فأين هذا من سكان دول الخليج الأوائل؟ هل كانوا يسافرون أم كان فيهم من الخشونة ما يكفي للصمود في أشهر الصيف؟

حتى قبل عام 1982م – تقريبًا – كان بيتنا في جزيرة تاروت مبنيًّا على الطراز القديم؛ حجرات عديدة وساحة في الوسط و”ليوان” يحيط بالحجرات، بناء من دورٍ واحد! أما المجلس الذي خدم عدة أغراض فكان في الزاوية، يطل من الخارج على جهتي الغرب والجنوب بنوافذ خشبيّة ومن الشرق على الداخل مع نوافذ خشبية والجدران إسمنتية دون عوازل.

أحد الأغراض من المجلس بالإضافة إلى وجود مكتبة كان استقبال الضيوف والأصدقاء ومكانًا لنا – الصبية – ننام فيه ونستَذكر دروسنا. في تلك الفترة كانت الكهرباء غير منتظمة في الجزيرة، تأتي وتذهب وتكييف الهواء بواسطة مروحة معلقة من السقف من طراز TAT.

وقت يأتينا الأصدقاء – الشبان – ساعة الظهيرة، ما كنا نشعر بحرارة القيظ؛ ننام مثل الموتى على تدفق الهواء الرطب من الجهة الشرقيّة والمحمّل برائحة النخيل وماء الساقية الذي كان يفصله عن بيتنا شارع ترابيّ بعرض ثمانية أمتار
تقريبًا. كنا نلعب ونَروح ونغدو دون شكوى من القيظ مع أن درجات الحرارة كانت عالية جدًّا والرطوبة كذلك!

في هذه الآونة مكيف الهواء مضبوط على درجة 20 مئوية على مدار الساعة، وجدران الدار فيها عازل حرارة جيد ونضج من الحر ومن يستطيع الهروب إلى بلدٍ فيها جو معتدل يهرب! لم نعرف تكييف السيارة حتى سائق سيارة الأجرة يأنف من تدوير مكيف الهواء خوفًا على ماكينة السيارة من العطب! إلا أننا كنا نسافر ونَجيء ونذهب.

رآني أحد الجيران في ظهر يومٍ صائف من شهر رمضان خارجًا من الدوام في شركة أرامكو – هكذا الاسم قديمًا – فقال اركب معي أوصلك باكرًا! الحافلة مكيّفة والنوم فيها ممكن إلا أنني ظننتها غنيمة أن أصل قبل الآخرين بدقائق. في الطريق – نحو 40 دقيقة – لم يتكرم الصديق بمكيف الهواء! لو كان الآن ربما اشتكيته عند منظمات حقوق الإنسان أو غيرها!

هل هو الاحتباس الحراري؟ ممكن! التصحر واندثار الغطاء النباتيّ وكثرة المحركات التي تنبعث منها الحرارة من حولنا؟ ممكن! تغيّر في معامل مقاومتنَا للظروف البيئية؟ ممكن أيضًا! ولعله كل ذلك! بالإجمال إذا كنت من أهل اليسار سافر وتمتع ولا تفعل في السفر ما لا تفعله في الحضر لأنك سفير أهلك وبلدك ولا تفعل شيئًا يضر بسفرك الأعظم عند الله! وإذا كنت من الباقين فلست وحيدًا في هذا العالم! مليارات لا يستطيعون السفر!



error: المحتوي محمي