التقاعد من الوظيفة نظام عالمي إن اختلفت مدته وقوانينه بين الدول نهاية مطافه التوقف عن العمل إما بانقضاء المدة المقررة نظاماً أو لعجز قهري أو بموجب مواد حفظ الوظيفة من التجاوزات أو عند اختيار الموظف له قبل الموعد “تقاعد مبكر بناءً على طلبه” لكن لتعلم يا هذا أنك متقاعد ولست قاعداً لم تنتهِ حياتك إنما انتقلت من مرحلة مقيّدة إلى أخرى مفتوحة أصبحت ثروة جمعتها بجهد لسنوات مضت فلا تضيعها فيما بقي:
أولًا: القانون كما أسلفنا حدد عمرًا للوظيفة متى وصله شاغلها يحال للتقاعد “يوقف عن العمل” إلا ما استُثني في حالات “المسمى بالتمديد” حاجة لخدماته وعدم وجود خلف له.
ثانيًا: مَن أفنى زمنًا مديدًا في عمل “ما” قد يكون نوعيًا {إداريًا فنيًا ماليًا زراعيًا أو حتى من الأعمال البسيطة}، فقد اكتسب خبرة أكسبته تجارب علمته كيف يتحاشى الفشل رسمت له طرق النجاح و مسبباته لذا يمكننا إطلاق مصطلح عام على مثل هؤلاء أنهم “بنك الخبرات والتجارب والفكر” للأسف أحيانًا يقفل المتقاعد خزائنه هذه بعد تنحيه يرمي بمفاتحها بحرًا حتى يتعفن ما بداخلها، تلعب فيه الحشرات مع مرور الزمن دون أن يُستفاد من رصيده المتراكم. وقد يحُول المجتمع بينه وبين إخراجها والصرف مما فيها جهلًا بقدراته فيبقى منسيًا إلى الممات وهنا يسمى “المتقاعد بنك مجهول الرصيد” أشبه بمن يجمع أموالًا في حياته لا يتنعم بها ولا ينعّم أسرته، الفرق أن جامع المال يتمتع الورثة بها بعد موته وخازن الفكر ضاع دون فائدة لأحد لا مورث ولا وارث.
ثالثًا: على المتقاعد أن يستغل حصاده وخبرته الطويلة لا يظل حبيس البيت بل متحركًا يواصل حياته الجديدة لا يقبر نفسه كأنه من تراث الماضي تسفي عليه الذاريات. الفرص متاحة يبحث عنها إذا لم يجد كثيرها فالقليل متوفر يستغلها له فيها ثلاث فوائد إذا لم ينلها جميعًا فواحدة زيادة دخل تحريك عقل انخراط في أعمال خير بإحسان والأجر محسوب له في أُخراه. تضيق به الدنيا مع سعتها أين أذهب؟ ماذا أعمل؟ هل بقي من العمر شيء؟ أنت في أول عمرك العقلي الجديد المكتمل النمو تخرجت من التعليم المنهجي إلى الأكاديمي أنت مستشار بمعلوماتك السابقة يمكنك إلقاء المحاضرات على خريجي الجامعات.
رابعًا: على المجتمع فرادى ولجان وهيئات أن تستفيد من خبراتهم كل في مجاله وبقدر ما يمكن أن يقدم لا تزال روح الشباب نشطة في أضلاعهم وعند أوج نضج أفكارهم لديهم كنوز من العطاء يحتاجون لدعم وتشجيع لتنفيذ مشروعاتهم ليستفيدوا ويفيدوا.
خامسًا: من خلال المتابعة تجد مَن هو نشط معنوياته عالية كما كان على رأس الوظيفة وأزيد إصراره يخوله أن يبني مستقبل أجيال لا يذعن للكسل، تعدى السبعين ويمارس عملاً لا لحاجة مادية لكنه يملك طاقات إيجابية يفرغها يستغلها تكسوه كل يوم التجارب حيوية يحقق ما عجز عنه في صباه يلتحق بجامعة بعد تجاوز الثمانين مِن العلماء ناهز المائة عام يشد حاجبيه ولحيته يقرأ، يعلّم، يؤلّف في وقتنا الحالي خير شاهد على ذلك المرجع الديني آية الله “الشيخ حسين وحيد الخراساني بلغ المائة وخمس سنوات مواليد – 1339 هجرية – لايزال العلماء صفوفًا ينهلون من علومه” في دول ابن التسعين يرشح نفسه للرئاسة “جيمي كارتر الرئيس الأسبق التاسع والثلاثين للولايات المتحدة خرج من الرئاسة فتح له مكاتب حول العالم يديرها شخصيًا إلى يومنا هذا يبلغ حالياً المائة – مواليد 1924م”.
إذًا بالنشاط والأمل نستطيع الوصول في كبرنا لما استحال علينا في صغرنا وإذا استسلمنا للسنين ضيّعنا كثير العمر بقليله إلى أن ينكشف رصيدنا فنحتاج من يقرضنا وربما لا يفيدنا الإقراض.