الدواء.. الخطر أكبر مما تتوهم!! «3»

لماذا ينجح دواء في تحسين صحة مريض، ولا يصل إلى مثل هذه النتيجة دواء آخر، تمامًا كما أن حاجة الجسم للطعام لا تعني أن كل أنواع الطعام مفيدة للجسم، وهذا ما يدفعنا مباشرة إلى التمييز بين الدواء الذي يؤثر سلبًا أم إيجابًا على صعيد دوره كعامل محسن لنوعية الحياة.

إن الإلمام بأساسيات وأهداف العلاج الدوائي يكمن في منع أو تخفيف من معاناة المرضى، ومن ثم تحسين نوعية الحياة، وللوصول إلى هذا الهدف يكون الاختيار الصحيح لنوع العلاج الذي يناسب المريض مهمًا جدًا. لذلك لا بد من تجنب استخدام أدوية غير ضرورية للمريض وأن يوصف له أقل ما يمكن من الأدوية، صحيح أن هناك أدوية ليس لها آثار جانبية، ولكنها قليلة للغاية، أما أغلب الأدوية فلها من الآثار الجانبية ما يشكل بعض الخطورة على حياة المريض.

متخصصون في علم الطب والغذاء يرون وجهين للدواء، واحدًا سلبيًا يتمثل في السؤال عن قدرة الجسم على مقاومة الأمراض، وقد يكون لها جانب سلبي آخر في حال أساؤوا استعماله، أما الجانب الإيجابي فيتمثل ببساطة في زوال العوارض السريرية والميكروبية وتخفيف الآلام، في حين أن حسناته لا تزال فرضيات لم يتم التأكد من صحتها بشكل نهائي؛ هذا ما يقوله الاختصاصيون!!

ولكن، قبل أن تأخذنا الحماسة، ليس كل شيء هو فعلًا كما يبدو على السطح، فقد بدأ العلماء بالتشكيك في التأثيرات الإيجابية مقدِّمين أسبابًا تشكيكية حقيقية عما إذا كان بإمكان تلك الأدوية تحقيق الغرض الذي صنعت من أجله. ولكن مع تطور الطب والتكنولوجيا الطبية رأينا المخاطر تنمو بشكل مخيف من خلال تضاؤل فاعلية الدواء، فمنذ سنوات أصبح العلاج بالدواء لدى الرأي العام في الكثير من بلدان العالم المتطورة عديم التأثير أو لا يحقق الفائدة المرجوة من تناوله، كون المادة الدوائية دخيلة على الجسم، في حين أن بعض العلاجات تحتاج إلى فترة طويلة، قد تؤدي إلى اختلال التوازن الطبيعي البيولوجي؛ هو الوجه الآخر للدواء، هذه التغييرات تضعف مناعة الجسم في مقاومته للأمراض، وهذا ما دفع الباحثين إلى الدخول في سباق محموم من أجل ابتكار طرق علاج بديلة أكثر عقلانية وأكثر فعالية وأقل هدرًا للمال، وأكثر ملاءمة كونها معتمدة على مصادر طبيعية، هذا هو الحل للخروج من هذا السياق المدمر المجنون!!

بعد هذا الحديث والتحليل، تجمعت خيوط القصة الأكثر موضوعية أمام الرأي العام، فالدواء لا يملك دورًا فاعلًا في عملية إزالة الحالات المرضية، والدراسات الحديثة أشارت إلى دور مجموعة من العوامل تقف وراء معاناة الناس، فمعظم أمراض العصر يراها علماء الطب والغذاء ليست خاصة فيما يتعلق بما يدخل جسمنا من غذاء ودواء، إنما نجمت من نمط العيش الحديث الذي تبدل كثيرًا، منذ أن اعتمد الإنسان على الدواء للبحث عن الصحة كوصفة سحرية، أكثر بكثير من البحث عن الغذاء، من هنا رأينا أن المرضى الذين يتعاطون الدواء المعالج ونمط عيش يخلو من الأنشطة البدنية، والغذاء الصحي، وراحة البال، والأمان النفسي، والثقة بالنفس، أدى كل ذلك إلى إحداث ضرر حقيقي في جهازهم المناعي، كون المناعة تحتاج إلى تحفيز مستمر، والدواء يوقف يقظة جهاز المناعة.

إذًا السؤال الذي يتبادر إلى الذهن هو: ما الرابط بين الغذاء ومنع خلية متهالكة من التحول إلى ورم خبيث؟ لقد فسَّرت الدراسات هذا الأثر الإيجابي -تقوية جهاز المناعة- وهنا يجدر بنا الإشارة إلى تلك المقولة الشهيرة “لكل داء دواء” قد يبطل مفعولها فساد العلاج المقدم إلى المريض في صورة وصفة خاطئة لا تثمن ولا تعين المبتلي بالأمراض على مواجهة ضربات الألم، من جانب آخر يعاني سوق الدواء العالمي من فوضى عارمة، بسبب الأذى المباشر للأدوية المغشوشة، لأنها تخلو من أية مادة فعالة بل إنها تحتوي في كثير من الأحيان على مواد سامة يمكن أن تؤدي إلى الوفاة، والأطباء يتذرعون بأشياء واهية لتبرير موت مريض، فلو أننا كنا نشكو علة ما ونصحنا شخصٌ ما غير متخصص بتناول دواء غريب، فإن الكثرة منا سترفض ذلك تمامًا، وسنأخذ برأي المتخصصين في الأمور الخطرة والمهمة.

الأطعمة المصنعة، وجرف الأكل إلى الأحشاء بسرعة، واستخدام الدواء لأمور تافهة أو بدون ضوابط كيفما كان، وارتفاع مستويات الكآبة والضغط إلى مستويات مخيفة؛ أضعفت أجهزة الجسم على مقاومة الأمراض.

ولقد عاد أغلب الناس إلى الوسائل الطبيعية التي تساعد على مواجهة الأمراض وأعراضها المختلفة، كما تساعد في حالات دقيقة على معالجتها، فقد ثبت أن الدواء الطبيعي من النباتات والأعشاب الطبيعية، وإلى الفيتامينات من مصادرها الطبيعية من الخضراوات والفواكه واللحوم، التي لا يكون لها أي آثار جانبية، فالطبيعة هي أساس الكيمياء التي تمدنا بالمادة الفعالة للأدوية، ومنها نأخذ خلاصة الدواء بدون آثاره السلبية التي تأتي من المستحضرات الكيميائية، فلماذا نتجاهلها؟!

تحاول شركات الأدوية إقناع الأطباء بصرف دواء جديد لمجرد الترويج دون النظر إلى حاجة المريض له، وهذا من أسوأ فصول العبث والتلاعب بالقدرات الطبيعية للجسم البشري، هو الاستخدام الواسع النطاق للأدوية المصنعة التي لم تعد تفيد اليوم.. وآثارها لم تعد مجدية وفعالة كما كانت عندما وهبتنا الطبيعة الدواء، يكفي ما نراه من حالات على أبواب المستشفيات المشرعة، المترددون على المستشفيات هم في علاج مستمر، ومعظمهم فقد الأمل والحرمان من مباهج الحياة. لكن السؤال الأهم هو: متى يتوقف مسلسل العبث واللا مبالاة؟! على الرغم من أننا لسنا هنا لمحاكمة سلوك هكذا أطباء، هذا السلوك المؤذي للمرضى حيث لا مكان للأخلاق، فالتعامل مع الأرقام تسقط المفاهيم الإنسانية والمشاعر التي تميل إلى الخير ضد الشر.

في ظل التحولات الكبيرة التي يشهدها العالم على الصعد الثقافية والفنية، وحتى على نمط الحياة ككل، بات من الممكن أن نتساءل: هل تراجع دور الطبيب تجاه الواقع الإنساني؟ وماالتحديات التي تواجهه في ظل سيطرة المال؟ وما الذي يجب ألا نعمله؟ بمعنى أن القضية ليست قضية علوم وتطورها، ولا هي قضية استهلاك مفرط يؤدي إلى اختلال موازين الطبيعة، القضية هي في الدرجة الأولى سوقية، لقد دخلت الأدوية المصنعة في لبّ ثقافة البيع والترويج كسلعة تخضع لقوانين السوق، وعليه أن تجني ربحًا، وربحها يزداد بزيادة الدعاية المروّجة لها، مما أدى إلى واقع يتميز بإغراق الأسواق بآلاف المستحضرات الدوائية المعروف منها والمجهول.. أحدثت خللًا وإرباكًا في قدرة الجسم على مقاومة الأمراض المستعصية، وفي مقدمتها مرض السرطان وأمراض ضعف المناعة.

وأن نضع نصب أعيننا الأسئلة التالية: هل الدواء الكيميائي مأمون الجانب بشكل عام، أم أن له إشكالاته ومضاعفاته أيضًا؟ هل هناك حاجة لاستخدام الدواء؟ هل هناك طريقة بديلة للعلاج؟ هل نستطيع تحمل الآلام من دون دواء؟ أي كيف يتحمل الجسم ما تسببه الأمراض من الآلام دون دواء؟ وبالرغم من أن الأدوية تلعب دورًا مهمًا في تخفيف الآلام في الجسم، فإن الإكثار منها يعرض الجسم لمضاعفات نتيجة ارتفاع تركيزها إلى مستوى ضار بالجسم.

إن الغوص في تأثير الدواء المصنع يؤكد حقيقة تركيبته الكيميائية والتي أصبحت معروفة لدى الجميع، فهو يتكون من مجموعة مواد كيميائية غريبة عن الجسم، إذ تتحول في جسم الإنسان إلى مركبات تعمل على تحفيز الجذور الحرة التي تهاجم خلايا الجسم وتفقدها طبيعتها ومناعتها.

من جملة القضايا التي يثيرها الدواء على الصعد كافة، بدءًا من صناعته وترويجه التجاري وصولًا إلى آثاره الجانبية والتي تتمثل في الممارسة اللا أخلاقية للأطباء الذين يفرطون في وصف الأدوية لمرضاهم وخصوصًا الأطفال، بدافع جني أرباح مالية من الشركات المصنعة والصيادلة، القضية الأخطر ما تنتجه شركات مافيا الدواء من أدوية مزيفة وما تحمله من عوارض قاتلة، صورة غير مشرقة للدواء تطغى على ما قد يحمله من وظيفة محددة، من هنا فإن التعاطي مع الدواء، لا بد أن يحمل أكبر كم من الحذر حرصًا على صحة الإنسان.

الأدوية المصنعة كيميائيًا، مركبة من مكونات تنتج في مختبرات البحث العلمي، وقد سجلت هذه الأدوية نجاحات علاجية، لكنها فشلت في إلحاق الهزيمة بعالم الفيروسات والبكتيريا وبعض الأمراض المستعصية وفي مقدمها السرطان.. كما جاء الكثير من نجاحها العلاجي على حساب صحة الإنسان نتيجة التراكمات السلبية والمضاعفات، وأخطرها التأثير على مناعة الجسد،
ثمة هواجس مقلقة من استخدام الدواء عما يفيد الناس إلى ما يضرهم،
كيف يتحمل الجسم مساوىء استخدام الدواء؟ لا يبدو ذلك ممكنًا، فالدواء يتكون من مركبات كيميائية لا يستطيع الجسم تحملها، مثل هذه الأدوية تتراكم في الكبد وتتحول إلى سموم، وعلى الرغم من ذلك، شكلت هذه الأدوية قلاعًا ضخمة من المصالح المادية، كممارسة مدانة على هيئة نمط من العلاج تحت اسم “ثقافة السوق” تقضي بتحميل الجسم أدوية تزيد عن حاجته باعتبار المريض زبون يدر لأصحاب المشافي والمستشفيات المال الكثير حيث لا مكان للأخلاق، ثقافة تفتقر إلى الضمير الحي..! ونعيد ونكرر السؤال: إلى متى يتوقف مسلسل العبث واللا مبالاة؟! من المستحيل كوننا نعيش في عالم سقطت فيه المفاهيم الإنسانية والمشاعر التي تميل إلى الخير ضد الشر، والمريض مستعد لتعاطي ” أي دواء ” يساعده على التخلص من الآلام على الرغم من أن الوصفة ليست فقط غير آمنة أو دون جدوى وقيمة بل قد تكون قاتلة، لقد كتب علينا أن نبقى أبدًا أسرى الواقع بآلامه ومشكلاته ليحجب عنا الحياة.. وللحديث بقية.


منصور الصلبوخ – أخصائي تغذية وملوثات



error: المحتوي محمي