سنة الافتتان

قال تعالى : { أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا و هم لا يفتنون؟ }{ العنكبوت الآية ٢ } .
الشخصية الإيمانية لا تكشف واقعها و حقيقتها كلمات تنطق ، و إنما هو واقع عملي و مواقف امتحان يتمايز الناس في اختياراتهم و خطواتهم ، فالمؤمن ينطلق من فضاء الرضا بقضاء الله إلى الصبر و التحمل لتلك الشدة أو المشكلة ، و لا ينتهي به الأمر نحو خطوات ملؤها الأمل في ميدان العمل برغم الظروف القاسية ، بينما يندب ضعيفو الإيمان حظوظهم و ترتفع تأوآتهم و أنينهم من قسوة الأيام ، في لحظات تظهر أن ما كان يظهر منهم من مظاهر تعبدية ، جوفاء و تخلو من التغلغل في نفوسهم فلا تترسخ كقناعات يعملون بها ، فتنكشف وجوه اليأس و التأزم النفسي و التي كانت تختفي خلف ألسنة تلقلق بالأذكار و الأدعية و تلاوة القرآن الكريم ، دون أن يظهر لها أي أثر يسعفهم في فهم واقعهم ، و التعامل مع اللحظات الصعبة بالتوجيه القرآني الذي يعصم من الوقوع في الإياس و التحطم النفسي .

الإيمان ليس مجرد كلمات يتفوه بها و لا يتلمس لها أثر في واقع تعامله و سلوكياته ، بل هو قناعات تترجمها تصرفاته و تدل على صلابة في التمسك بالحق ، فالشدائد لا تصهر إيمانه و لا تميثه بل تزيده إيمانا بأن الله تعالى لا يتخلى عنه ، و يتحول فكر المؤمن في أوقات المصائب إلى خلية عمل توجه بالتزام الصبر و الهمة التي لا تنكسر ، فإن حقائق الأمور و الشخصيات لا تكشفها كلمات قد يتقنها المنافقون و ضعاف النفوس ، فلا يفرق بينهم في هذا المستوى عن أهل العزائم و رجال التحديات ، فإن الفتن و الوقوف أمام المعصية أو الموقف الغاضب وجها لوجه ، فيسقط في الفتنة من لم يعد نفسه و يسلحها بقوة الرضا بتدبير الله و تحمل الصعاب ، و يخرج منها أشد صلابة و أقوى إيمانا من ثبت في ساحة جهاد النفس ، فالافتتان بزينة الدنيا و الشهوات لا تخلو من مواجهة أحد من الناس ، فهي أصل ثابت في السنن الإلهية الجارية على عباد الله .


error: المحتوي محمي