بسم الله الرحمن الرحيم
استجابة لطلب بعض الإخوة من أعضاء المنتديات الأدبية، أحاول تقديم قراءة تأملية لمجموعة نصوص الإصدار الأول للشاعرة عقيلة آل ربح المجموعة الشعرية (هطول) وأود قبل البدء التنويه إلى تعمدي تجنب استخدام المصطلحات النقدية المتداولة قدر المستطاع،
هدفي من ذلك ضمان استفادة القارئ غير المتخصص في اللغة والأدب من هذه القراءة.
ولكيلا أبخس الشاعرة حقها في تسليط الضوء على مواطن الإبداع والتميز،
ولقناعتي أن كثيرًا من الكتابات النقدية المركزة على استخدام المصطلحات سرعان ما يمج القارئ اليوم منها ويعرض عن إكمال قراءة المقال فيكون في ذلك نوع من الظلم للنص المتناول.
نظرة عامة
قرأت في (هطول) مقدرة تصويرية خيالية فائقة، لكني وجدتها على اتصاف جميع نصوصها بذلك، تبدو لي مختلفة في نوعين:
الأول: وهو الغالب -كمًّا- متأثر بالنهج البنيوي ومثاله رائج بكثرة ومشابه لما يطرحه كثير من شعراء اليوم المغرمين بعزل النص عن العالم الخارجي، وهو أشبه بمعرض للمجازات والاستعارات، غير أن المكسب الوحيد أو الأهم للشاعر فيه إثبات المقدرة الخيالية الناتجة عن تمكن عالي المستوى من ابتكار الفن البياني (أعني المنسوب إلى أقسام البيان) المتعلق بالصورة والخيال.
الثاني: نوع آخر يختلف عن الأول بتوظيف الجماليات لخدمة الفكرة وأداء رسالة ما، ومثاله في مجموعة النصوص (قدس الغرام) (انتظار) (صبابة عشق) (صدفة) (أسير إليك) (حنان) هذا الصنف الأكثر ديمومة مع الأيام ويحظى بشريحة واسعة من القراء والمتذوقين من مختلف الفئات، وميزته التوازن الحاصل بين تألق الصورة الشعرية ووضوح الرسالة المضمنة، وقد أثبت الوقت بعد جدل طويل (لسنا بصدد الخوض فيه) أن القصيدة التي تعيش في ذهن القارئ وتبقى مع الزمن هي تلك..
هطول
انتقاء موفق وجميل وشاعري، مفردة في حد ذاتها تدل على ذوق أدبي حين تُرشّح كعنوان مجموعة شعرية، لا يسعنا تجاوزها دون التوقف لتأمّل ما تكتنزه من إيحاءات متعددة ومتلائمة في نفس الوقت.
(هطول) مفردة مجردة وبدون جعلها في موقع (المضاف) تعطينا جميع ما يحتويه معنى المطر من متعلقات دون عناء فكري، وكأنها تستقبل القارئ: أنت على مشارف بوابة عالم جميل ستحلق في سمائه وتشهد فيه جمال السحاب، البرق، المطر، النبات الذي ينتظر هطوله، الرمل الذي تتشكل مظاهره حين يغمره الماء، الطير الظامئ إليه الطفل الصغير الذي يفرح به، هذه المشاهد الجميلة هي شيء
من المدلولات المستوحاة من أعماق النصوص التي تتجه إليها أيها القارئ، هكذا أختصر رونق العنوان بوصفه (ذكاء أدبي).
هيمنة معنى
معانٍ مركزة تهيمن على شعر عقيلة، تدعو إلى إمعان نظر، تساؤل، تحليل، أبرزها: التيهان والحقيقة، تكررت مفرداتها في سياقات مختلفة.
مثلًا: في مفردة التيه نجدها تكررت بمشتقاتها 27 مرة موزعة على 21 نصًا
ذكرتها كاملة في المقال المكتوب
وكذلك مفردة الحقيقة 18 مرة موزعة على 14 نصًا.
تكرر معنى التيهان ومفردة التيه في سياقات متنوعة فتارة مسندًا إلى الجب، وتارة للهمهمة وأخرى مع الشفة – مع الجُب – مع النجم – مع الطفل – مع الوقت – مع المجهول – مع الأنين- مع القلب- مع الهمس- مع الأحبة ..وأحيانًا يأتي بتصريح مثل (أنا تائه) .. (عانقت فيك التيه).
لا أرى الحضور المكثف لمفردة التيه ومعانيها في المجموعة انعكاسًا عن واقع تعيشه الشاعرة لأنه لا يبدو من ثقافتها ذلك.
عادة من يشعر بالضياع والتيهان هو من يعيش حالة اضطراب وتذبذب فكري وعقائدي.
لا أعرف سبب هيمنة هذا المعنى على نصوص عقيلة إلا أن أضع احتمالات منها: انسجام الذائقة مع المادة الصرفية لمفردة (تيه) بدرجة كبيرة، فهذا يحدث عادة للأديب حتى دون أن يعي هو ذلك الانسجام المفرط. وأترك للقارئ الكريم مساحة ليستمتع بالتأمل واكتشاف السبب.
تكرر معنى التيهان ومفردة التيه في سياقات متنوعة فتارة مسندًا إلى الجب، وتارة للهمهمة وأخرى مع الشفة – مع الجُب – مع النجم – مع الطفل – مع الوقت – مع المجهول – مع الأنين- مع القلب- مع الهمس- مع الأحبة ..وأحيانًا يأتي بتصريح مثل (أنا تائه) .. (عانقت فيك التيه).
لا أرى الحضور المكثف لمفردة التيه ومعانيها في المجموعة انعكاسًا عن واقع تعيشه الشاعرة لأنه لا يبدو من ثقافتها ذلك.
عادة من يشعر بالضياع والتيهان هو من يعيش حالة اضطراب وتذبذب فكري وعقائدي.
لا أعرف سبب هيمنة هذا المعنى على نصوص عقيلة إلا أن أضع احتمالات منها: انسجام الذائقة مع المادة الصرفية لمفردة (تيه) بدرجة كبيرة، فهذا يحدث عادة للأديب حتى دون أن يعي هو ذلك الانسجام المفرط. وأترك للقارئ الكريم مساحة ليستمتع بالتأمل واكتشاف السبب.
أما مفردة (الحقيقة) ومفهوم البحث عنها فهو مرتبط بمعنى التيه، وبين المفردتين علاقة معنوية وثيقة.
هذه المفردة جاءت في أغلب المواطن متلائمة مع معنى الضياع – المجهول – الغياب.
أكتفي بهذا، وختامًا.. سروري كبير بولادة باقة شعرية جديدة وجديرة تضاف إلى مكتبة الأدب القطيفي العملاق.
أتمنى لعقيلة مزيدًا من الإبداع.