الأدوية التي عكف العلماء والأطباء في العصر الحديث ليل نهار على إتحاف الإنسانية بها لدرء أذى الأمراض، وتخليصها من شر الألم والعذاب، تحولت إلى معاول تعمل في أجسامنا تخريبًا، أصبحنا نستعملها كيفما اتفق، ونتناولها كيفما كان، فيما ينفع وفيما لا ينفع؛ مما سببت لنا إضعاف مقاومة أجسامنا، واضطرارنا للاعتماد على الأدوية في اصطناع المقاومة في الأجسام، بدلًا من الاعتماد على الوسائل الطبيعية التي جهز الجسم بها. فالوسيلة لعلاج كثير من الأمراض التي ترتبط باعتلال جهاز المناعة هي تجنب العوامل التي تضعف مقاومة الجسم، كالانفعالات النفسية والعصبية، ونمط الحياة العصري، والأمراض، وقلة النوم، والنشاط والحركة، والتغذية السيئة، وكذلك الإفراط في استخدام الأدوية والمضادات الحيوية، كلها أشياء تعمل على إضعاف مقاومة الجسم للأمراض وتعرض صحة الأشخاص لمضاعفات خطيرة، فالتغيرات التي حصلت في جسم المستهلك لهذه الأدوية، والاعتماد عليها بشكل كبير، أدت إلى ضعف مقاومة الجسم، بمعنى أن المريض فاقد المناعة يحتاج إلى فترة أطول من العلاج، جعلت الإنسان يتريث في الاستخدام المفرط لها، لذلك تبقى الإجراءات الوقائية هي الأهم، ويفضل اللجوء إلى العلاج غير الدوائي، وفي حالة الحاجة إلى العلاج الدوائي تكون عملية اختيار الدواء حكيمة بحيث يتم اختيار الدواء ذي التأثيرات المعاكسة الأقل والملائمة لحالة المريض، أو تخفيف من الميل إلى تناوله، فلا يحارب المرض مباشرة بالأدوية، بل بتحفيز جهاز المناعة في الجسم من خلال إعطائه فرصة لإصدار ردود فعل فيسيولوجية حقيقية تدفع الجسم إلى إنتاج الأجسام المضادة، وليس من الحكمة أبدًا أن نعطي المرضى الدواء مباشرة لأن أغلبهم يشفون بدون دواء؛ فقد جعل الله تعالى للجسم قدرة طبيعية على علاج نفسه بنفسه.
هناك بعض الأدوية إذا تناولها المريض قد تفاقم المشكلة، لذا يجب الحذر وأخذ الحيطة التامة عند تعاطي أي دواء، من خلال التحقق من جودته وفاعليته ومأمونيته والآثار الضارة التي قد تنجم عن تناوله، فالاعتقاد بأن الأدوية تفيد الإنسان ولا تضره، إنما هو اعتقاد خاطىء، فقد تتحول الأدوية إلى سموم وأخطار بدلًا من شفاء الداء ومعالجة الأمراض؟! وقبل البدء في تناول أي دواء يجب عليك أن تسأل نفسك عددًا من الأسئلة: مافوائد هذا الدواء؟ هل أحتاج إليه؟ مامضاعفاته الجانبية؟ ما الجرعة الموصى بها؟ كيف ومتى وما المدة اللازمة؟ وهل هناك طريقة بديلة للعلاج؟ وحتى تعرف يجب أن تعلم طبيبك وتسأله عن رأيه، وتلتزم بالجرعة المقررة، وبالوقت المحدد وبالطريقة اللازمة لتناول هذا الدواء ونقرأ التعليمات المرفقة بدقة لمعرفة بعض الحقائق عن المادة الفعالة، باختصار يمكن للشخص قوي الإرادة الذي يعاني من مشكلات صحية، التخلص من الأدوية الكيميائية المضادة للمناعة، فقد أثبتت الدراسات أن ضعف مناعة الجسم يتصاحب مع حالات العلاج الدوائي. في الوقت الذي سوف يعدل فيه الطب عن العقاقير، إلا في حالات قليلة، قد يتساءل البعض ما إذا كان التخلي عن الدواء مجديًا أكثر من استعماله!! لا يبدو الأمر مقنعًا، خاصة مع نشاط واتساع الثقافة الاستهلاكية لدى شرائح المجتمع، وهي ثقافة تجعل من الأدوية مواد ملازمة لحياتنا اليومية، حتى إنه يصعب علينا تصور ما قد تكون عليه الحياة من دون دواء، ومع اتساع حجم العرض وتنوعه تطلب الأمر مزيدًا من الوعي، فهناك من أدرك الآثار الجانبية السلبية لهذه الأدوية، وترددهم في استخدامها مفضلين بديلًا آمنًا، لكن يتعين بتقديرنا عدم المبالغة في أهمية هذه النقطة، على الرغم من إدراكنا الأثر السلبي للدواء الكيميائي، قد يظن البعض أن الدواء بات شبه حاسم في الصحة، فقد يشعر المريض بالتحسن ويبدو عليه النشاط والحيوية، لكن الواقع أن أضرارها الفادحة تظهر في المدى البعيد، فبعد الخمسين عامًا راحت عقاقير “البانادول” و”الأيبوبروفين” وغيرهما من المسكنات وعقاقير معالجة الحرارة التي سحقها في شبابه، تظهر أعراضها في هذه المرحلة العمرية، وقد يعيش بقية عمره في لهيب التعب والإرهاق والمرض، والأخطر أنه يفقد شيئًا من قدرة الجسم على مقاومة الأمراض.
يقول سيمور داياموند – مؤسس عيادة داياموند لآلام الرأس في شيكاغو، والرئيس التنفيذي للمؤسسة الوطنية لآلام الرأس: “أعتقد أن الاستخدام المفرط للمسكنات يخفض من مستوى السيروتونين وهي مادة كيميائية في الدماغ، من شأن هذا أن يحدث تغييرًا بشأن الكيفية التي يشعر بها الشخص بالألم”. فالاستخدام المفرط للمسكنات يبدو أنه يخفض من قدرة الشخص على تحمل الحد الأدنى من الألم، ولذا يبدأ هؤلاء الأشخاص بالحاجة للمسكنات كي يشعروا بأنهم طبيعيون.
فقد أظهرت الأبحاث الطبية أن المرضى الذين يرغبون في الشفاء ومقاومة المرض يملكون فرصًا أكبر من غيرهم في الشفاء، وأن الحالة النفسية للمريض تسهم إلى حد كبير في الشفاء السريع، وقد خصّص الدكتور أندرو وايل فصلًا في كتابه “الشفاء الذاتي” سمّاه “دور العقل في الشفاء” يبيّن فيه أن العقل له أهمية عظمى في تنشيط نظام الشفاء الذاتي، ويورد قصصًا واقعية لأشخاص تّم تعافيهم من أمراض خطيرة التي رأى أصحابها يتغلبون على معاناتهم الطويلة مع المرض، ويبدؤون بالتعافي، عندما يتم التركيز على الجانب العقلي، وهناك في الطب الحديث منظومة متكاملة من العلاج الإيحائي “Placebo” الذي يعزز دور آليات الشفاء الطبيعية، من هذا المنطلق يجب أن نسأل: لِمَ على الإنسان أن يعيش العمر كله يبحث عن حبة سحرية تساعده على مواجهة المرض؟ من هنا، فإن التعاطي مع الدواء قد يتسبب في أضرار تفوق الفائدة المرجوة منه، لذا يجب أن تخضع الأدوية الكيميائية إلى نظام صارم من الرقابة والتسجيل ومتابعة أي آثار جانبية تتم ملاحظتها حتى بعد تسويق الدواء، ولا يتم تسجيله إلا بعد التأكد من مأمونيته، ولكن كيف السبيل إلى التأكد من أن كل الأدوية المتداولة قد خضعت للرقابة الصحيحة وللشروط الصحية؟ الأدوية والمستحضرات الصيدلانية التي تباع في الصيدليات تخضع للفحص المخبري، أو التأكد من مأمونيتها وسلامتها ومن أن شروط استيرادها مطبقة بالكامل، فلا بد أن يحمل أكبر كم من البحث العلمي والتجارب العلمية، وتوقفها بمجرد الحصول على نتائج سلبية، ولا يجوز تعريض جسم الإنسان للدواء قبل التأكد من سلامة تأثيره، احترامًا لقيمة الإنسان وحماية حقوقه الإنسانية والشرعية كافة، فعدم توفر دراسات علمية كافية للتحقق من فاعلية ومأمونية استخدام هذه المستحضرات تضع المريض أمام منزلقات تتربص به، وحرصًا على صحته وحفاظًا على الصدقية البحثية، باعتماد لغة العلم التي لا تعرف إلا وجهًا واحدًا للحقيقة، لقد اكتشفنا مقدار الفراغ الذي نحمله داخلنا، والعجز الذي يشل حركتنا وتفكيرنا، نحن لا نملك إلا الأدوية فقط، ولا نعرف إلا الذهاب للطبيب!! وإذا كنا لا نرى إلا الطبيب الذي يعطينا أملًا في الحياة.. فلم يعد هناك وسيلة غير التعامل مع الأطباء الذين لديهم الدواء، وأجسامنا تدفع ثمن ذلك غاليًا.
وأخيرًا، لطالمنا نهش الألم المتواصل أجسامنا بطرق كثيرة ويكاد يظهر أثره المدمر في صحة معظم أجهزة الجسم التي تتجرع تبعات نوبات الألم الذي قد ترافقنا العمر كله، وفي الوقت الذي تزداد فيه الحاجة للدواء، نضع نصب أعيننا المضاعفات الجانبية، فلا يوجد علاج آمن، من هنا تبقى الإجراءات الوقائية هي الأهم، مانحين أنظمة الدفاع الطبيعية في أجسامنا فرصة المقاومة، حقائق أثبتتْها تقارير العلم الحديث، تؤكد وجود تفاعلات خفية ذات أبعاد صحية مدمرة، تدور رحاها بين أغوار النفس من جهة، وأجهزة الجسم الحيوية من جهة أخرى، فمتى يأتي اليوم الذي نرى فيه فوائد الدواء من دون تحمل سلبياته.. أمر ممكن!! مع زيادة الوعي الصحي والحرص على الوقاية من الأمراض. وللحديث بقية.
منصور الصلبوخ – اختصاصي تغذية وملوثات