الالتزام المدرسي وآثاره الاجتماعية

قال الحق تبارك وتعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [المجادلة: الآية 11].

لو أردنا تلاوة الآيات الشريفة التي تتحدث وتثبت أهمية العلم والتعلم تجاه جميع النواحي الحياتية لبني البشر؛ لتبين لنا جليًا أنها كثيرة لا شك وسندرك بعدها أن التحصيل العلمي من خلال ما جاء به القرآن الكريم هو مطلب ملح، وغاية في الأهمية ويكمن ذلك الأمر في تبلور شخصية الفرد، وتتضح صورته من خلال الإطار المجتمعي العام، فإما أن تكون تلك الصورة رائعة متناسقة بزهو ألوانها تسر الناظرين، أو أن تكون ذاتها كئيبة باهتة تفتقد لكل مقومات الجمال والإبداع، وهذا لا يتحقق إلا ضمن شروط محكمة، وخطوات ذات منهج علمي واضح، يكون فيه ذلك الإنسان ملتزمًا وعلى قدر كاف من تحمّل المسؤولية، والأخذ على عاتقه بالأسباب والاستعداد التام لبلوغ المستوى والرفعة التي يصل بها الفرد للمقام الذي يليق به رجلًا كان أو امرأة، ليتبوأ بعدها مكانة يكون فيها موقرًا محترمًا عزيزًا بين أقرانه في خضم مجتمعه الذي يقطنه ويعيش فيه.

لذا أعتقد جازمًا أنه من واجبنا الأخلاقي والاجتماعي وخصوصًا في الحقبة الزمنية الحالية التي نعايشها الآن وما نشاهده ونسمعه عن كثب من واقع أليم بات حقيقة لنا جميعًا من آباء وأمهات من تراجع واضح وملموس تجاه الالتزام المدرسي بل أصبحنا نبحث ونختلق الأعذار التي ما أنزل الله بها من سلطان، وغير المبررة على الإطلاق واتخاذها ذريعة ووسيلة خاوية لعدم المواظبة والعزوف عن الحضور لقاعة الدرس، كمتابعة الأخبار في وسائل التواصل الاجتماعي بشكل دقيق في حال سقوط الأمطار، لمعرفة ما إن كان هناك تعليق للدراسة أم لا، وغير ذلك من المتغيرات المناخية الأخرى كموجات الغبار البسيطة ومن ثم تداول تلك الأخبار على أنها واقع، وفي الحقيقة هذا مخالف للمنطق جملة وتفصيلًا، فاستقاء تلك المعلومات لا يأتي إلا من قنواتها الرسمية للدولة فقط متغافلين عما سيترتب عليه من نتائج سلبية وخيمة لا تحمد نتائجها. ولا نبالغ واقعًا إن قلنا إنها مدمرة للنشء الصاعد وبالتالي سنجد أنفسنا وأبناءنا ومجتمعنا مع شديد الأسف في الدرك الأسفل من الجهل والتخلف والظلام الدامس، وهذا لن نجني من خلاله إلا مزيدًا من الهوان والتراجع الأخلاقي والمعرفي والفكري وبناء عليه لن نتمكن من السير والمضي قدمًا نحو ما هو مأمول.

معاشر القرّاء نسوة ورجال ربما السؤال الذي يفرض ذاته هنا ما هو المطلوب وما هو المأمول مما ذكر؟

في حقيقة الأمر ومما لا شك فيه أن الدول قاطبة وبلا استثناء لا ترتقي ولا يعلو شأنها ولن تجد لها مكانة متقدمة ولائقة في عالمنا الحاضر إلا بسواعد نجومها الأبناء وهذا لن يتسنى تحقيقه مادمنا بعيدين عن العمل الدؤوب والجد والاجتهاد والسعي ما أمكن للحصول على أكبر قدر ممكن من تشييد الوعي، وبناء العقول لهذا وفي واقع الأمر يجب الذهاب تجاه الاستثمار الحقيقي للوصول بوطننا المصون لمراتب أكثر مجدًا ومكانة وهو الاهتمام بأجيالنا والأخذ بأيديهم ليسلكوا طريق الهمم ونحلّق بهم في سماء العزة والاقتدار وهذا لا يمكن الحصول عليه إلا بالتخلي عن ما نحن عليه من تلك الثقافة المنبوذة وترك الكسل واختلاق الأعذار التي لا نرجو منها إلا مزيدًا من التراجع وخيبة الأمل.

إن حكومتنا أيدها الله لم تألُ جهدًا، ولم تبخل على شبابها فتية وفتيات وأطلقت يد الدعم والعون بجميع أشكاله وتعدداته ووضع الخطط الإستراتيجية وفق رؤى بنيت على أسس علمية ومنطقية عكف عليها رجالات وطنية من ذوي الشأن والخبرة والاختصاص لصالح العملية التربوية في جميع مناطق البلاد، حتى غدا التعليم والدعم السخي اللا محدود، الذي يحظى به الطلاب السعوديون من رعاية واهتمام منقطع النظير وكذلك الحرص على تذليل كل الصعاب والمعوقات، وتوفير كل ما يلزم من إمكانات ووسائل وكل المتطلبات الضرورية، لتكتمل العملية التعليمية حتى أصبحنا نحن السعوديين مضرب مثل بين الكثير من الدول القريبة والبعيدة فكما هو معلوم للقاصي والداني ولكل المتابعين والمهتمين بشأن التعليم والتعلم داخل مملكتنا، يدرك المساعي الحثيثة والمتميزة التي تتصف بها وزارة التعليم الموقرة من خلال ابتكار برامج مختلفة إثرائية كثيرة ذات طابع علمي مغلف ومحاط بجميع ما تتطلبه الحركة التعليمية من خطط قريبة وبعيدة المدى مواكبة للتحديات التي فرضت نفسها في عصرنا الحالي وبشكل متقن ومؤهل يصب في نهاية المطاف لصالح صغارنا الطلبة بما يضمن لهم مستقبلًا واعدًا وبيئة تربوية أكثر راحة ومرونة وجودة.

إذا وبعد كل ما ذكر يتوجب علينا جميعًا آباء وأمهات طلابًا وطالبات أن نستفيق من ذلك السُّبات العميق ونزيل تلك الضبابية من الثقافة الخاطئة المظلمة التي تجذرت في نفوسنا وطغت على نمط تفكيرنا حتى بات ذلك السلوك المقيت في باطن عقولنا هو المعقول، وأصبح المعقول وكأنه لا معقول فالاستمرار على ذلك النهج هو بمثابة خذلان متعمد لشخوصنا أولًا ولمجتمعنا وبلادنا ثانيًا لذلك لا مناص من الاستيقاظ من تلك العادات التي لا تمت للمنطق بصلة ويجب أن نعي نحن الآباء والنخبة في المنظومة المجتمعية من كتّاب ومثقفين وأساتذة وتربويين أن مسؤوليتنا أمام الله سبحانه وتعالى ومن ثم وطننا هي واجب شرعي وأخلاقي لا يجوز لنا جميعًا التخلي عنه مطلقًا.

فالأبناء أمانة أودعها الله جلت قدرته في أعناقنا لذا يصبح من الواجب حفظ تلك الوديعة ورعايتها ومتابعتها كما يجب فالجميع يقع تحت المسؤولية الإلهية قبل كل شيء وبعدها المسؤولية الأخلاقية والوطنية تجاه هؤلاء الرعية فهم المعول عليهم بعد الله جل في علاه للنهوض بالوطن إلى عالم التفوق والإنجاز لذا يجب أن يكون هناك خط ساخن وجسر من التعاون والتواصل الوثيق والبناء بين المدرسة والمنزل لتذليل الصعوبات التي قد تعترض كل ما من شأنه أن يبطئ العملية التعليمية والتحصيلية لشموعنا الأبناء، فالتكامل بين هذين العنصرين هما بلا ريب صمام الأمان للوصول بأطفالنا لوضع ترتضيه ضمائرنا في ظل التنافس العلمي الكوني العميق لكي نحقق القدر المطلوب للوقوف على الجادة من الطريق ومن ثم نرى صغارنا قد تبلورت إرادتهم وارتقى فكرهم واشتد عودهم وبلغوا مبلغ الرجال، وينفع بهم البلاد والعباد لنحقق المصالح العليا لكافة أرجاء وطننا المعطاء في شتى صنوف العلم والمعرفة والتقدم والازدهار، سائلين الله العلي القدير أن يحرس أبناءنا من كل سوء وأن يوفقهم ويسدد خطاهم وأن يجعل الهداية والصلاح طريقهم إنه ولي ذلك والقادر عليه.



error: المحتوي محمي