في هذه الأيام وحتى بداية شهر الحجّ تتوالى أنباء استعداد النّاس لأداء فريضة الحج، من يذهب؟ ومع من؟ وبكم ؟وكيف؟ ومتى؟ أرفع يدي بلطف وأدعو أن أكون أنا وأنتم مع الحجّاج والمعتمرين، وإذا قرأت هذه الوصيّة وأعجبتكَ وأنت عازم على الحجّ فلا تنس أن تذكرنا بينَ زمزمَ والصفا وفي عرفات والمشعر الحرام وكل محطةٍ تحطّ رحالكَ فيها!
إبّان سنوات العمل، كان عندي صديق اقتربت أيام تقاعده عن العمل ولم يحج، ولا زوجته أيضًا، مع أن صحته كانت جيدة جدًّا؛ قوي البنية وخالٍ من المرض. اشتغل وتشاغلَ عن الحج وبعد تقاعده عن العمل بفترة قصيرة وافانا نبأ وفاته! وغيره من الأصدقاء كثيرون أجلوا ولم يستطيعوا الحج في نهاية الأمر!
العمر غير مضمون ولا الفراغ واتساع الوقت مضمون! مشاغل العمر لا تنتهي حتى ينتهي العمر وخمسة أيام أو أسبوع يكفي للحج إذا تزاحمت الأيام. من نعم الله أن قربت المسافات في هذه الآونة فلم تعد رحلة الحجّ تأخذ أسابيع وأشهر كما كان في سنوات الآباء والأجداد.
المال غير مضمون، اليوم في اليد وقد يهرب في الغد ويشح! إذًا، إذا أنعم الله عليك بالاستطاعة ووجدتها حاضرةً عندك، اغتنم الفرصة وحج! سفرة الحج أجمل سفرةٍ في العمر إلا أن فيها مشقة وصعوبة وهذه المشقة لا تختفي إنما تتبدل من نوع لآخر؛ إذا سهلت المواصلات والسكن فإن الزحام وشدة حرارة الجوّ ومشقة المشي لا تنتهي ويحتاج الحاجّ إلى قوة وصحة تمكنه من أداء أعمال الحج.
يحضرني في هذه الخاطرة حكاية عن النبي -صلى الله عليه وآله- تختصر كل ما قلته! كان رسول الله -صلى الله عليه وآله- في المسجد وعليّ -عليه السلام- إلى جانبه، فدخل أبو ذر واغتنم الخلوةَ واستوصاه بوصية نافعة. أوصاه رسول الله بوصية جميلة جدًّا ومنها: “يا أبَا ذر اغتنم خمسًا قبل خمس: شبابكَ قبل هرمك، وصحتكَ قبل سقمك، وغناكَ قبل فقرك، وفراغكَ قبل شغلك، وحياتكَ قبل موتك”.
هذه الوصايا الخمس تصنع من الإنسان شخصًا ناجحًا في إدارة الوقت واستثماره -Time Management- ويجب أن تكون عنوانًا رئيسًا في ورشات مناهج تنظيم الوقت وإدارته؛ لا تنتظر التقاعد وتبدأ، لا تنتظر أن تتفرغ وتتهيأ الظروف الكاملة لمشروعات الحياة فقد لا تأتي أبدًا! أي مدرسة فيها هذه الوصية الفريدة من نوعها: “يا أبَا ذر إياكَ والتسويف بأملك، فإنكَ بيومك ولست بما بعده، فإن يكن غد لك فكن في الغد كما كنت في اليوم، وإن لم يكن غدًا لم تندم على ما فرطت في اليوم؟”.