تأخذني ذاكرتي المسكونة بالحُب، تزدان بأيام الطّفولة العذبة، تحمل عبق الماضي الجميل، تبعث في قلبي الفرح، بقُدوم عيد الفطر السعيد بعد شهر كامل من ضيافة الله، والطّقوس التي تُصاحب شهر رمضان المبارك، تفاصيل طُفولتي تستحضرني رُبما يرجع الفضل لها في تشكيل وجداني، ورسم خريطة ملامح شخصيتي، بعض أحرفنا لا نستطيع أن نُجسدها في كلمات، تحنّ ذاكرتي لتفاصيل الطّفولة المُرتبطة بالأعياد، حيث كانت والدتي -رحمها الله- سيّدة الدّار ووتدها، صدرًا يسكنه الحنان، نرحل من هذه الدنيا رُوحًا، في كلّ مرة يمُوت فيها عزيز لدينا، ذاب قلبي شوقًا لتلك الأيام المخملية، حيث كانت أجواء العيد حينها مُختلفة جدًا، أكثر دفئًا، بهجة، وجمالًا، وفي ليلة العيد، تقُوم والدتي بتجهيز كلّ ما يلزم، من الملابس البراقة ذات الورود البنفسجية الكبيرة لي ولأختي، ثياب الأولاد البيضاء، نستيقظ باكرًا جدًا، بنشاط ملحوظ، نلبس ملابس العيد التي حلمنا بها طوال اللّيل، يأتي والدي، يُقدم لنا العيدية، لتتراقص قلوبنا سعادة.
في هذه اللّحظات، وأصابعي، تُعانق اليراع، لتكتب هذه السّطور، تطوف مُخيلتي برائحة الفرح، يقتلني الحنين يا أماه، وفي نبضات شوق أغفو لأجدك، شوقًا إلى مُحياك وظلك، يُناديك، الآن يا أماه، يحملني البوح، ليغرسني في الذّكريات،، طيفًا لأبصرك في المطبخ، تقومين بحرق اللّيمون الأسود، ثمّ تضعينه في الماء، تستخرجين عُصارته لنشربه على الريق ظنًا منك بأنَّه دواء لبطوننا التي لم تعتد بعد على الأكل في صبيحة يوم العيد السّعيد، ثمّ تقومين بطهي ألذ الأطباق والحلويات من لقيمات وبلاليط وخنفروش، ثمّ ما تلبثين حتى تُجهزين الغداء لضيوف أبي، فتقومين بحشو الكثير من الدّجاج، وتُخيطين بطنه بالإبرة، نلتف حولك يا أمي كالحلقة، يفزّ قلبي كلَّما تقدمت طفلة مُهرولة نحوك، شديدة الالتصاق بك، لتشرق الابتسامة على مُحيانا، كوجنتيها الحمراوين من البهجة مُختبئة بين ضلوعك، يحُوطني دفء قلبك الطاهر، أستحضر تفاصيلك الملائكية لعُمرك النّازف بالحُب والعطاء عبق حنانك، كانت سُعيفات نخلاتك، تحُوطنا بالظلّ، السكينة تجمعنا على المحبة، تمُدنا بالدّفء.
يحلّ عيد جديد، ولحظات مُختلفة لا تشبه لحظات طُفولتنا البريئة، ودفء بيتنا الشّعبي ببابه الخشبي المُزين بالنقوش، بيت بلا سقف، تُمطره السّماء ليتحول لجو لندني مُعتق، وعبق الأيام الخوالي، من جميل الذكريات، حيث بساطة الحياة، الجيران الأقرب حيث النّفوس صافية كمرآة، تشي بالطّهارة، ورائحة التّراث البهي قبل برامج التّواصل الاجتماعي، التي اغتالت حميمية التّواصل الحقيقي.
نُعيد الذكريات، يتخللها شدو الفرح بالعيد، لنبكي على سنوات الطّفولة، والحياة، ودفء الأسرة التي تغيرت كثيرًا، إذ كان للجديد من الملابس، ومقاضي البيت في العيد فرحة، والقليل منها يكفي لبساطة الحياة، تغيرت طُقوس العيد، وظلّت رائحته، كالفُستق الممزوج بنكهة الطُفولة في كلّ زمان ومكان، ولا زالت أرواحنا تحنُّ إلى هناك.