في آخر ساعة من الحياة يصطفّ الأبناءُ والبنات عن يمين والدهم وعن يساره. يعرف الوالدُ أنها الساعة الأخيرة، أحد الأبناء يوجّهه للقبلة، ثانٍ يمسك بيده وآخر يقبّل جبينه والوالد يسأل: أين ابني فلان؟ لماذا لا أراه؟ أنا ربيته وتعبت من أجله وهو لا يأتي حتى في ساعة الموت!
فلان – الابن – بعد ذلك يحضر في مجلس العزاء ويصطفّ مع الأبناء والأقارب، يعزيه الناس! ابني العزيز، بكل محبة، أنت تأخرتَ كثيرًا؛ لا تنفعك المناحةُ والأحزان. كان في إمكانك أن تأتي قبل هذه الساعة ولا تمثل مشهدًا سخيفًا وزائفًا:
لا ألفينكَ بعد الموتِ تندبني *** وفي حياتي ما زودتني زادي
النمط السائد والمعروف هو أن يعقّ الأبناءُ أباهم أو أمهم، لكن أليس هذا نصف الحقيقة والنصف الآخر هو أن آباءً وأمهات يعقون أولادهم وبناتهم ومن ثم يسوقونهم نحو مآثم عقوق الوالدين قسرًا؟ أنت – الوالد – تأخرتَ أيضًا! كان في إمكانك أن تراضي ابنك وتأخذ على خاطره، وإذا عزّ الأمر واستعصى تذهب إليه!
ثمة درسٌ آخر من الواقع؛ لبعض الآباء ذنب فيما يفعلون، لهم نصيب كبير لو كنا منصفين؛ قسوة، غلظة، بخل، إهمال، تفضيل ابن على آخر، سوء تربية، خلاف مع الأم! لا أحد ينكر أن في الأبناء من لو قطعتَ رأسه مرّات ما لانَ لوالده ومن الآباء – أيضًا – من رأسه وألف سيف لا يلين مع الأبناء؛ يؤخر الحسابَ والصلحَ إلى يوم القيامة! ما يدريك لعل الحكم يوم القيامة يأتي عكس ما تظنّ وترغَب؟
في حال الاحتضار تتكشف الأمور وتتضح لكن يا أستاذنا قبل ذلك: شابَ شعرك وأنكرتَ، ضعفت قوتك فما باليت! مرضتَ فما اتعظت. مات كثيرٌ من الأصدقاءِ والأقرباء والمعارف ولم تصدّق! ما باليتَ في إصلاح ما خربته زمنًا طويلًا إلا في هذه اللحظة؟! تأخرتَ كثيرًا!
غاية المرام ألا ننظر إلى القضايا المهمة بعين عوراء! ونعترف أن فينا من يزرع الحقد والضغينة في أولاده وبناته وفي النهاية الكل يصبح نادمًا على ما فعل، ولات حين مندم. ما معنى قول رسول الله (صلى الله عليه وآله): “ألا كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فالأمير الذي على الناس راع وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عنهم، والمرأة راعية على بيت بعلها وولده وهي مسؤولة عنهم”؟
تحية كبيرة لكلّ ابنٍ بار بوالديه وابنة بارة بوالديها وتحية أكبر لكل أمّ وأبٍ أعان أولاده وبناته على بره ودلهم على طريق الجنة بدلًا من أن يأخذهم إلى جهنم الدنيا وجهنم الآخرة! عنه (صلى الله عليه وآله): رحم الله والدًا أعانَ ولده على بره.