سيرة طالب (٥٢)

(مذكرات المنتديات)

ما سقط من معلقة امرئ القيس (نص مفتوح)

مَسَاءٌ زُجَاجِيٌّ تَهَجَّيْتُ شَكْلَهُ
رَمَادَ فَرَاغٍ أَوْ رُكَامَ تَرَهُّلِ
وَعَبَّأْتُ بِالإِسْفَلْتِ طَعْمَ حَرَائِقِي
وَذَاكِرَتِي بِالْمَاءِ لَمْ تَتَخَلَّلِ
وَبَوْصَلَتِي نِصْفُ اشْتِهَاءٍ لِقَرْيَتِي
أَلُـمُّ لَهَا رَمْلَ الْهَوَى وَتَلُمُّ لِي
لَمَسْتُ صَهِيلَ الظِّلِّ مِنْهَا فَسَافَرَتْ
فَوَاصَلُ خَطْوِي مِنْ قَوَامِيسِ أَرْجُلِي
لَهَا وَخْزُ مَوَّالٍ .. وَلَوْنُ تَكَسُّـرٍ
وَجُرْأَةُ مِجْدَافٍ .. وَمِعْطَفُ جَدْوَلِ
تَسَاقَطْتِ مِنْ بَهْوِ السَّحَابِ مَسَاحَةً
مِنَ الْغَيْبِ وَجْهًا بِالْمَجَرَّاتِ مُمْتَلِي
وَكُنْتِ عَرَاءً أَبْجَدِيًّا وَجُثَّتِي
ضَجِيجٌ كَسِكِّينٍ وَخَطْفٌ كَمِنْجَلِ
وَكَفُّكِ مُوسِيقَى وَلَحْنٌ مُقَطَّرٌ
وَشَيْءٌ بِمَاءِ الْوَقْتِ لَمْ يَتَبَلَّلِ
بِبُرْكَةِ وَجْهِي تَسْتَحِمِّينَ خِلْسَةً
كَلَقْطَةِ عُصْفُورٍ وَأَزْيَاءِ بُلْبُلِ
تَرُشُّ أَكُفَّ الشَّمْسِ بَعْضَ دَقَائِقٍ
وَأَنْتِ تَرُشِّينَ الْفُصُولَ بِأَنْمُلِ
1417 هـ
* * *
– ابن زريق (شاعر صومالي):
أخي العزيز علي الفرج لاحظت من نقدك لما ينشر وكتاباتك المنشورة كلها أنك لست من مستوانا، هنا فنحن ما زلنا نتلمس الطريق نحو الأدب والشعر، وأنت قد جاوزت حدود تلمس الطريق، بل أنت مبحر فيه، وكأني بك تقول كما قال البسطامي (نحن نخوض في بحر الأنبياء على ساحله).
هذا النص المنشور هنا نص مفعم بالإيحاء والإيقاع المكثفين .. وربما يصعب على الشاعر نفسه إذا طلب منه شرحه أن يفعل ذلك !! وربما كان اختيارك لوزن وقالب الشعر العمودي نوعا من إظهار التفرد في الإبحار في هذا المجال دون مجداف.

والنص أيضا يضج بالصور المبدعة والمتفردة في التعبير مثل (وكفك موسيقى ولحن مقطر .. وشيء بماء الوقت لم يتبلل) وهذا هو الشعر، ثم ما هذا الإبداع في إضافات الصفات لغير موصوفاتها، والذي أضفى على القصيدة كثيرا من الغموض الشفاف، بحيث يعطي القارئ فرصة للتفكير واستنباط معاني متعددة على حسب مستواه مثل ( صهيل الظل، رمل الهوى، وخز موال، لون تكسر، جرأة مجداف، معطف جدول).

ولكن أعجب وأحلى ما راق لي وأنا أقرأ القصيدة هي الأبيات الثلاثة الأخيرة، للأسف الشديد لستُ ناقدا ولم أجرّب النقد على نص إبداعي قط، لأني كنت مشغول بإبداع النصوص عن نقدها، وكنت أرغب أن أجد الناقد الصقيل.
أما هذه الكلمات فهي انطباعات ليس إلا .. أما النص يا أخ علي فإني أرى أن عنق قلمي يقصر عن مجاراته أو التعبير عنه، فشكرا فما أروع من نقدك سوى نصوصك.

– ابن عربي (ناقد أزهري مصري):
أخي علي الفرج، النص مفعم بالحرية والانطلاق، ومحاولة دمج التراث العريق الرائع بأوزانه وموسيقاه؛ مع بالحداثة بألفاظها ومعانيها، ومع ذلك ذلك فالنص حديث رغم محاولتك إشعارنا بالقدم، والنص مليء بالتقاطعات الرائعة التي تجعل منه نافورة تقذف ماءها بشكل متقاطع ومتداخل؛ ومع ذلك نستمتع بالنظر إليها تماما كما نستمتع بقراءة هذه القطعة.

ولي رأي في لفظة ( الإسفلت ) في صدر البيت الثاني، لا أدري إن كانت تؤدّي المعنى المطلوب؟، لكنها لم ترق لي في الواقع، فما معنى أن أعبئ طعم حرائقي بالإسفلت؟! لعلك تريد أن توضح شدّة ما اعتراك من ألم وعذاب، وأنك زدت هذا العذاب وذلك الألم ألما وعذابا آخرين، فالتمست لفظة ( الإسفلت ) لتكنّى بها عن الألم والعذاب الجديد، هكذا أفهم من البيت، ولكن يبقى في نفسي شيء من كلمة ( إسفلت )، وأخشى أني أشعر أنها لفظة قد لا تنحو منحى الشاعرية في هذا الموضع بالذات .. ولعل هذا شعور خاص بي . ، فلا تأبه !!

على أية حال، لا يخفى عليك مدى إعجابي بنصوصك، وأتمنى المزيد من هكذا نصوص، فأنا أعشق كل من يربطنا بالتراث ويعيشنا فيه، أشيد بآخر بيت في القصيدة : ترش أكف الشمس بعض دقائق .. وأنت ترشين الفصول بأنمل
بيت رائع .. رائع .. رائع



error: المحتوي محمي