من مميزات مرحلة المراهقة – وخصوصًا في وقتها المتأخر – تلك الحالة من التشتت الذهني والمزاجية المتقلبة، والتي تنعكس على قراراته ومواقفه المترددة مما يصيب من حوله بالدهشة والربكة في طريقة التعامل معه، وهذا التذكير بمميزات وخصائص هذه المرحلة الصعبة لا يعني التسليم بهذه الصفات كأمر واقع لا يمكن التعامل معه بهدوء للتخفيف من آثاره وإضعاف مفاعيله، بل هو تعريف للأسرة بما هو عليه ابنهم أو ابنتهم في هذه المرحلة وذلك للتعامل معه بأسلوب تربوي بعيدا عن ردات الفعل المتشنجة والانفعالية، فالتعامل القاسي معه لن يأتي بالنتائج المرجوة بل سيرسم سيرا لتسلسل التوترات والاضطرابات في العلاقة معه، حيث إنه يشعر بافتقاد الاحتضان الأسري والشعور بالغربة وعدم التلاقي في فهمه مع أحد من أفراد أسرته، ولذا فإن العبور من هذه المرحلة الحساسة بسلامة يعتمد بشكل أساسي على تفهم الوالدين له وما يحملانه من ثقافة وسعة صدر تحتضن ابنهما بما فيه من عصبية أو سلوك استفزازي في بعض الأحيان.
من الأخطاء التربوية التي يتعامل بها الوالدان من غير قصد هو اتخاذ القرارات بدلًا من ابنهما الشاب، بحجة أنه لا يعرف مصلحته ولما يصل إلى مرحلة النضج والاتزان الفكري، والذي يمكّنه من تفهم مشاكله والعراقيل التي تواجهه ومن ثم التعامل معها بطريقة هادئة، وما يحمله الوالدان من تصور عن طبيعة الشاب المراهق وطريقة تفكيره المتسرعة والمشوشة في بعض الأحيان صائبة ولا غبار عليها، ولكن هذا لا يعني التدخل السافر والاقتحام المباشر لخصوصياته ومن ثم اتخاذ القرارات بدلًا منه، بل إقامة جسور التفاهم والحوار وتبادل الآراء وإبداء النقاط الإيجابية والسلبية للموضوع ومساعدته من خلالها على اتخاذ القرار، وإن أخطأ فليتحمل مسؤولية تعديل وتصحيح ما ارتكبه فهذا يضيف له نقطة قوة واقتدار في مواجهة تحديات الحياة.
ومن صور اقتحام حياته وتخريبها بدون التفات لما يحدثه من ألم نفسي له، هو تلك الرغبات والأماني وتطلعات الوالدين لمستقبله ذات السقوف العالية والتي لا تتناسب وطموحاته وقدراته، فهذه بؤرة توتر واضطراب تنعكس على شخصيته وتصيبه بالتشتت، فلا هو بالقادر على تخطي العقبات فيما رسمه له أهله من خطوط مستقبلية، والحسرة تعتصر قلبه لعدم سيره في الطريق والتخصص العلمي أو المهني الراغب فيه، ويمكن للوالدين تخفيف الأعباء ونوبات القلق عنده من خلال مساعدته في اكتشاف ما يمتلكه من مواهب وقدرات تتناسب والتخصص الذي يميل إليه، فليس من السهل على الشاب في ظل تعقيدات الحياة ومشهدها أن يحدد معالم شخصيته المتناسبة والتخصصات الأكاديمية أو المهارية، كما أنه لا يمتلك محددات وصفات الأشخاص الذين يرتبط بهم في علاقة صداقات، فضلًا عن تحديد توجهه في العلاقة الزوجية والصفات التي يمتلكها شريك حياته وتمكنه من إقامة جسور التفاهم والود والانسجام الفكري والعاطفي وخوض التجربة بقوة الفكر وسعة الصدر لتحمل هفوات الآخر.
مفهوم النجاح والفشل يأخذ حيزًا كبيرًا في فكر ووجدان الشاب المراهق وقد يدفعه نحو تحقيق نجاح أكبر وتخطي مراحل أصعب إن سانده الوالدان، أو أنه إذا فشل في مرحلة ما – ولو بنحو جزئي – قد يصاب باليأس وفقدان الثقة بنفسه وبقدراته ويترك مشروعًا اشتغل على تكوينه وتفاصيله لمدة ليست بالقليلة، وهنا يبرز دور الوالدين في تقديم مفهوم للنجاح والإنجاز بما يقوي إرادته وهمته في أي مرحلة من مراحل حياته، ففي الحقيقة لا يوجد شيء اسمه فشل بمعنى الخسارة التامة، وإنما هو فكرة أو عمل انكشف عدم تحقيقه لغايته بسبب نواقص أو هفوات، فتلك التجارب تكسب الفرد خبرات وتضيء له دربه وتنضج فكره وتزيد من صلابته في مواجهة التحديات.
وهوية الشاب تبرزها ما يمتلكه من أفكار نيّرة وسلوكيات محببة تعزز مكانته الأسرية والاجتماعية، ومع امتلاكه لهذه القناعة فيمكن للوالدين مساعدته في تكوين زاده المعرفي والثقافي وتشجيعه على اتخاذ القرارات المتأنية واكتساب السلوكيات المحببة، فركيزة الهوية الناجحة القدرة على التعامل مع المواقف والعلاقات مع الآخرين بروية وهدوء وحكمة.