في المساء حدثت حنان ياسمين، وطلبت منها أن يكون اللقاء بعد ساعة، في الثامنة والنّصف من مساء الاشتياق، وذلك في “المقهى”، الذي افتتح مُؤخرًا، سعيًا للخُروج من الرّوتين، الذي يبعث على الملل.
وافقت ياسمين فورًا على طلبها دون تردد، فإنَّها في حاجة ماسة إلى تجديد رُوحها، وتغيير نمط حياتها اليومي.
إنَّها تهفو إلى استكشاف الأماكن؛ لإضافة مشاهد حياتية وطبيعية أخرى في تصورها الدّاخلي، وتنوع الشّخصيات، لتفتح آفاقًا جديدة لها، تُثري مُخيلتها، وتُساعدها على نسج نُصوص لها طابعها المُثري، والأكثر بهجة، ودهشة.
كما الفنان، الذي تربع عنفوانًا في ذائقة حنان، إنَّها تهفو إلى هذا التّغير، لتُسكبه في قالب فنيّ، له شكل مُغاير عن الكلاسيكية، وينبثق منه الجمال.
صعدت ياسمين السيارة، استقبلتها حنان بسعادة غامرة، كانت السّماء مُزدحمة بالغيوم، ورذاذ من حُبيبات المطر يُلطف الأجواء، لتبدو الشوارع أكثر حميمية.
أين يكون موقع “المقهى”؟ تسألها ياسمين
لا أعلم. تُجيب حنان بابتسامتها المعهودة، كطفلة
وتابعت:
لديَّ الموقع، أرسلته عبير لي بالأمس، وأشادت به كثيرًا، وأكدّت بأنَّه سيُعجبني، وهذا مما أثار فُضولي للمجيء إليه برفقتك.
حسنًا، لنرى.
وما هو إلا وقت، حتى وصلتا، فانبهرت ياسمين مما أبصرته عيناها.
منظر خلاب، تُحيط بـ”المقهى” الخُضرة من كلّ الزوايا، تُوجد جلسة داخلية مملوءة باللّوحات التشكيلية، المقاعد لها طراز أوروبي الطلة، تفُوح المُوسيقى، كرائحة العُود والياسمين، تبعث الهُدوء في النّفس، تغسلها من التعب، وجلسة خارجية تلفها الأشياء القديمة، كأنّما المكان خليط من الماضي والحاضر.
هناك شيء آخر، سافر برُوح ياسمين إلى بحر التّأمل، بينما حنان تُراقب ملامحها، حيث إنَّ المكان يحوي في الزاوية اليُمنى منه مكتبة، تزدحم فيها الكتب، مُنسقة بشكل جمالي، كطفلة، تُرتبها أمها، لتذهب إلى المدرسة في صباح شتوي، وبجوارها بعض المقاعد الخشبية، تُحاكي التّراث العربي، وطاولة أخذت مكانها، تُصغي إليها، لتُخبرك عن موعد لقاء، يبعث على القراءة بعُمق، يدعو إلى الانغماس في الكتابة، أو رسم لوحة تشكيلية.
المكان مُلهم يا حنان، يكفيني أن أصغي إليه لأول مرة، ليسكن في قلبي. تهمس ياسمين عبر انتشاء اللّحظة