عندما يكبرون عندئذٍ سيعقلون!!

أكَّدَ الدينُ الحنيفُ على جملةٍ مِن الضوابطِ والمستلزماتِ والثوابتِ التي ينبغي على الناس أن يلتزموا بها. ويقود التزامهم هذا إلى ضبط الأمور وعدم تجاوز وتعدِّي هذا الطرف أو ذاك على بعضهم بعضًا فيما يتعلق بواجبات وحقوق كل طرف على الآخر.

من أجل ذلك وضع الشارعُ المقدسُ جملةً من المحاذيرِ والحُرُمَاتِ في هذا الشأن، ونبّه من الوقوع فيها؛ كحرمة قتل النفس المحترمة، والتعدِّي على أموال الناس، وانتهاك حرمة البيوت، وغيرها كثير مما لا يتسع المجال لذكره هنا.

قال النبي الأعظم محمد (ص): «إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا». إنَّ المحافظةَ على الممتلكات العامة؛ كالمباني الحكومية، والحدائق، والمتنزهات وغيرها والتي سُخِّرت لكي يتمتع بنفعها والاستفادة منها الجميع، وكذلك احترام الممتلكات الخاصة كالمنازل والتي يلزم فيها مراعاة خصوصيتها وعدم المساس بها والتعدِّي عليها، وأن يراعي ويتَّبِعَ في ذلك الضوابط الشرعية في التعاطي والتعامل معها.

قال تعالى: {وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا، وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا} [البقرة:189].

قد نجد مِمَن يعول التساهل وعدم الاكتراث بمثل هَذِهِ المحاذير وتلك الحُرُمَات، فهم لا يعطون مثل تلك الأمور الأهمية المطلوبة والتي ينبغي عليهم الالتزام بها ومراعاتها والتقيد بها.

وتظهر مثل هذه التجاوزات في بعض الممارسات والعبثيات والتصرفات غير المسؤولة من قبل بعض مِمَن يوصفون “بالأحداث”؛ والذين يطلقون لأنفسهم العنان في العبث والتخريب في ممتلك عام هنا أو ممتلك خاص هناك، وعندما تصل الشكوى لولي أمر هذا الحدث يردد عبارة ” غدًا يكبرون ويعقلون”!! فأنت يا أيها الجار المتضرر أو عابر الطريق وسالكه، أو أينما كان موقعك ومكانك عليك أن تصبر وتتحمل هذا الأذى إلى أن يكبر ويفهم وينضج هذا الحدث!

فبدلًا من أن تكون رَدّة فعل ولي الأمر في أن يحرص ويسارع على متابعة ومحاولة حل مثل هذا الضرر الذي صدر من ابنه أو ممَن يعول ويعمل لرفعه، تجده يرمي الأمور على عواهنها كما يقولون، مُعْقِبًا جراء موقفه السلبي هذا ضررًا نفسيًا وماديًا لذلك الشخص المتضرر والذي هو على تماس مباشر مع هذا الحدث، مُخَلِّفًا ما يشبه الداء المزمن إن صح التعبير والذي عليه أن يرافقه ويصبر عليه إلى أمَدٍ بعيد!

هنالك تساؤل لا بُدّ مِن الوقوف عليه حول مفهوم الحدث؟
فالحدث في اللغة هو صغير السن أو فتى أو حديث السن. ويشير مصطلح الحدث من الناحية الزمنية إلى عمر يتراوح بين ست سنوات وعشـر سنوات كـحد أدنى وإلى عمر يتراوح بين ست عشرة وإحدى وعشرين سنة في حده الأقصى، وبالتالي تضم هذه المرحلة فترتي الطفولة والمراهقة من الناحية الاجتماعية.

أما قانونًا فيعنى بانحراف الأحداث والذي يشير إلى حالة تتوفر في الحدث كلما أظهر ميولًا مضادًا للمجتمع لدرجة خطيرة تجعله أو يمكن أن تجعله موضوعًا لإجراء رسمي تتم محاسبته عليه؛ لذا حرصت حكومةُ المملكة العربية السعودية -أيدها الله- في سَنِّ أنظمة تتعاطى مع هؤلاء الأحداث وحفظهم وصونهم، فَقَدْ جاء نظام الأحداث الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/113 بتاريخ 19 ذي القعدة 1439هـ؛ والذي احتوى على 24 مادة تنظيمية تفسر آلية التعامل مع هؤلاء الأحداث في مواضع متعددة من موادها؛ والتي أكدت على مسؤولية ولي الأمر مسؤولية كاملة عن كلّ ما سوف يَبْذُرُ عن هذا الحَدَث من تجاوزات وتصرفات.

ونعود ونؤكد أن ثمَّة أمور يمكن التغاضي والتغافل عنها أو كما يحلو للتربويين تسميته “بالإطفاء”؛ والتي بطبيعة الحال لا ينجم عنها ضرر محتمل يؤدي لتضرر مَن يعيشون مع هذا الحدث، وتكون ضمن السياق الطبيعي ضمن خصائص المرحلة العمرية التي يمر بها هذا الحدث والتي يجب تفهمها واستيعابها.

يفتقر بعضُ هؤلاء الأحداث إلى مهاراتِ التعامل مع مَن حولهم؛ كعدم القدرة على النقاش والحوار لغياب دور الأسرة الحاضنة والمؤهلة، والتي من المفترض أن تتابع وتغذي مثل هؤلاء الأحداث على القيم والسلوكيات السليمة؛ كي تكون نشأتهم ضمن السياق الصحي والطبيعي؛ فالتربية عملية مستمرة ودائمة، تحتاج من الآباء ضرورة العناية بهؤلاء الأحداث من الأبناء، وتَفَهُمْ خصائص كلّ مرحلة من حياتهم؛ حتى يحسن التعامل معهم وإمكانية معالجة تلك الأخطاء بالطرق الصحيحة والمناسبة؛ والتي ستؤدي إلى تغذية المجتمع وتزويده بأفراد مثمرين ومنتجين وفاعلين.
المصادر:
1- القرآن الكريم.
2-صحيح مسلم (1218).
3- نظام الأحداث.
4- بوابة علم الاجتماع.



error: المحتوي محمي