هل تفهمني؟

حين يصبح هناك مشكلة بين شخصين حتى لو كانا إخوة أو أصدقاء مقربين غالبًا ما يكون هناك مشكلة في الفهم، وهذا ما يُعبر عنه مقصود لم يُفهم، ومفهوم لم يُقصد.

وقد يُعبر أحدهما للآخر بقوله: أنت لم تفهمني، وقد تزيد حساسية المشكلة إذا كان الشخص قريبًا جدًا والذي يُفترض عليه أن يفهم أخاه أو صديقه لطول العشرة التي جمعتهما.

ولا يخفى وقوعنا في مصيدة التوقعات فنحن نتوقع شيئًا دائمًا ونرسم تصرفًا مفروضًا قد لا يتطابق تمامًا بالواقع مما يؤدي لحصول مشكلة بعدم توافق التوقع مع الواقع الحاصل.

وتتفاوت آثار المشكلات بين خصام لأيام وربما شهور أو حتى سنوات، وبعض المشكلات تؤدي لقطع بعض العلاقات كالطلاق أو فسخ شراكة ما وغيرها.

ربما أول سبب يؤدي لعدم فهم الآخر وسوء الفهم معه هو عدم الاستماع له جيدًا والإنصات ليس فقط لكلماته فربما حتى لو كانت الكلمات أتت في غير موضعها لكن لغة الجسد قد تشفع بعدم موافقتها، فمثلًا قد يقول أحدهم كلمة قد لا تكون في محلها لكن لغة الجسد والنبرة التي أتت معها توحي أنها كانت في إطار المزح لا الجد.

قد يحصل الكثير من سوء الفهم حين يكون هناك حديث بالكلام فقط عبر وسائل التواصل لأن الكلام هو من يصل ولا يصل معه الصوت ونبرته ودرجته مع تعبيرات الوجه التي إما أن تؤكده أو تنفيه.

وهناك ملاحظة لاحظتها أن هناك من لا يحب القراءة كثيرًا لدرجة أنه لا يقرأ الكلمات جيدًا ويبحث عن اختصارها بذهنه فربما يختار الجزء الخاطئ منها فقط، وإذا كان لا يقرأ الكلام كاملًا فلا ينبغي منا أن نطلب منه أن يقرأ ما بين سطوره والمقصود الحقيقي منه.

نحن نحتاج عند أي مشكلة بيننا وبين أي أحد أن نركز سمعنا لسماع صوت الكلمات بدون مشوشات سابقة وتجارب سابقة تؤثر في الحكم المسبق على الكلمات التي قد تكون بريئة مما سبق لنستطيع فهمها وفهم قائلها.

صحيح قد لا تكون المشكلات مجرد كلمات خاطئة فربما تكون أفعالًا خاطئة، لكن بعض الكلمات لدى معظم الناس أكثر جرحًا من الضرب خاصة حين تقال أمام ملأ من الناس.

مرة من المرات سمعت إحدى المتحدثات تقول إنه حتى الحديث عن الشخص من ورائه يبعث طاقة سلبية له عنا، والله في محكم كتابه يقول: {وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ}، وربما هذا يفسر لماذا نحب بعض الأشخاص أحيانًا ولا نرتاح لآخرين.

وبالطبع موضوع الغيبة والتحدث عن الآخرين من ورائهم والذي لست أبرئ نفسي منه، فنحن مبتلون به وجعلناه عادة في اجتماعاتنا لننقل فيها عيوب غيرنا على الرغم من كوننا لسنا معفيين من العيوب.

في إحدى المرات دُعيت لحضور اجتماع لكوني أنتمي لإحدى المجموعات التي بت أتحاشى الحضور فيها لكثرة المد والجزر في العمل فيها، وكان حديثنا عاديًا نتجاذب فيه أطراف الحديث عن الأحوال، ولا أعلم ما الذي جاء بالحديث عن العمل في المجموعة وعلى الرغم من إبداء رأيي بعدم الحديث عنها فإنه كان شرارة لفتح صنبور الفضفضة التي كنّ يروينها لي لأني كنت غير حاضرة فيها.

فضولنا بمعرفة ما فاتنا من عيوب الآخرين قد يكلفنا الكثير، لأنه إضافة لكونه يجعل بيننا وبين من نتحدث عنهم ثغرة عدم ارتياح قد يصعب سدها، فإنه أيضًا يوقعنا في جريمة أكل لحوم الآخرين وغيبتهم.

وإن أتينا لذنب الغيبة فنحن النساء ربما أكثر من نبتلى فيه وبات البعض مع الأسف يستهين بهذا الذنب ليجعل “الحش” بتعبيراتهن وكأنه تسلية لا بد من عملها بالآخرين، لأن لدى الكثير من النساء فضولًا لمعرفة تفاصيل الآخرين فإذا لم تستطع إحداهن الحصول على المعلومة من صاحبتها لحرصها على خصوصيتها، بحثت عنها عند من يوزعن تفاصيل الآخرين وعيوبهن بالمجان.

مع الأسف نحن نعلم أن الغيبة من كبائر الذنوب والتي قد تحرمنا دخول الجنة إلا برضا صاحبها عنها لأنها تكون متعلقة بحقوق الآخرين، وعلى الرغم من هذا فأكثر ذنب قد نعمله في أيامنا هو الحديث عن الآخرين سواء في عائلتنا أو أصدقائنا أو زملائنا في الدراسة أو العمل وغيرها.

علينا فقط أن نوقف شلال الفضول فينا فما الذي سأستفيده من معرفة ما قال فلان أو فلانة عنا أو عن غيرنا فإنها لا تجر لنا إلا الوبال والوزر الذي نحمله فوق ظهورنا طول العمر ما لم نتحلل من صاحبه أو نستغفر له ونعمل له الأعمال لنكفر عن ذنبنا معه.

رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: الغيبة أشد من الزنا قيل: وكيف؟
قال: الرجل يزني ثم يتوب فيتوب الله عليه، وإن صاحب الغيبة لا يغفر له حتى يغفر له صاحبه”.

ورواية صاعقة من أمير المؤمنين (ع) يقول فيها: “أبغض الخلائق إلى الله المغتاب”.

وربما لو غصنا في روايات أهل بيت العصمة عن الغيبة فلن ننتهي ولكن أدع لكم ما نقل صادق العترة عن رسول الرحمة (ص) ويفيدنا بشهر صومنا هذا حيث قال: “.. من اغتاب امرءًا مسلمًا بطل صومه ونقض وضوءه؛ وجاء يوم القيامة يفوح من فيه رائحة أنتن من الجيفة يتأذى به أهل الموقف؛ وإن مات قبل أن يتوب مات مستحلًا لما حرم الله عز وجل”.

فنحن أحوج لنور العلم لنستطيع الفهم إذا كنا صادقين فيه ومددنا مولانا الصادق (ع)، فليس فقط الابتعاد عن الذنب في وقت الصوم كي لا يبطل صومنا كما يفعل البعض ويؤجل الحديث لليل، ولكن من يستطيع اجتنابه في النهار يستطيع اجتنابه في الليل أليس كذلك؟

شهر رمضان هو كرياضة للنفس لنستطيع ترويض أنفسنا، فإذا امتنعنا عن الغيبة في نهاره فنحن نستطيع فعلًا تجنبها في الليل إذا أردنا فعلًا، ونستطيع تغيير الموضوع أو إسكات الناطق بها أو الخروج من المكان وعدم المشاركة فيها، ولكن كل ذلك إذا أردنا حقًا ذلك فنحن نستطيع فهو ليس أمرًا من المستحيلات، فلا مستحيل من أداء أوامر الله والابتعاد عن نواهيه فهو أكثر من يفهم ما لدينا فهو لا يكلف نفسًا إلا وسعها.

فيا شهر الله المنادي بالرحيل، في يومك السادس والعشرين لا زلت أسألك: هل أنا في سُفرة من فهمك أم في سَفرة عنها؟



error: المحتوي محمي