ليلة العيد.. فرحة تاروتية

سادر في صمت الحرف كيف يتشكل كلمة وعبارة وجملًا، يقطع حالة التأمل اتصال من ابني محمد، يترجاني لحضور المباراة النهائية لفريق بستان تاروت مع فريق شباب العوامية ضمن دورة الزواج الخيري السنوية التي تشرف عليها جمعية تاروت الخيرية، والمقامة على ملعب نادي الهدى بتاروت، تعذرت لابني بعدم رغبتي في الحضور، وعاود الاتصال ثانية بأن ثمة شخصيات من البلد حاضرة ولاعبين قدامى، وأردف بجر الصوت: “تعال يا أبوي، غيّر جو وإذا تحب تجيء الشوط الثاني، تعال عيد ويانا وعيش الفرح”! قلت له أحاول، وأبلغني بتقدم البستان (1-صفر).

عزمت ولبيت رغبة ابني، حين وصلت بالقرب من الملعب، كل الشوارع الرئيسية والفرعية مزدحمة، مما اضطرني للوقوف بعيدًا عن مكان الحدث. ترجلت من السيارة ومشيت مسافة أتخطى حركة العابرين، وكلما اقتربت يزداد إيقاع الطبل رنينا والهتاف واصل لمداه انتابني إحساس لمن الغلبة ستكون في النهاية، وقلتها لأولادي ونحن على مائدة الفطور. قالوا لي بصوت واحد “إن شاء الله”.

حين وصلت للملعب الرديف التابع لنادي الهدى، وجدته غاصًا من جميع الجهات بالجماهير الواقفة والجالسة، بينما الكثافة العددية تتربع على المدرج الخشبي من الجهة الغربية للملعب، التي تضم ضيوفًا وشخصيات من البلد وخارجها ومشجعين متنوعين، في البدء ظللت واقفًا أسأل عن النتيجة، قال لي الأخ فؤاد المياد وهو أحد اللاعبين لنادي الهدى السابقين، فريق البستان متقدم بهدفين، لحظات ثم جلب بعض الشباب كرسيًا، فجلست أرقب الوجوه وحماسة اللاعبين عن كثب، عدت بخيالي لسنين خلت يوم كان الحماس يأخذني لمثل هذه الأجواء الرياضية الحماسية.

في الزاوية البعيدة شاشة بروجيكتور تعلن النتيجة وكذا الوقت، الذي يشير للثلث الأخيرة من عمر المباراة، بينما كنت أتحدث مع الحاج حميد القطري وهو أحد مؤسسي فريق البستان منذ أربعين سنة مضت منطلقًا من حي الديرة ولاعبًا بارزًا فيه، وإذا بالحكم يعلن ضربة جزاء للفريق المتقدم، حالًا استللت جوالي وجهزت أيقونة الفيديو، وحين صوبته وإذا باللاعب المتألق مصطفى ابن الأستاذ محمد أبوحسين يودع الكرة في الشباك. أدرت الكاميرا على جماهير البستان الوفية بطبلها وزمرها وأهازيجها تهز الملعب هزًا. أزف الوقت وأعلنت صافرة الحكم مسك ختام دورة الزواج الخيري في نسختها التاسعة عشرة لعام 1444 بفوز فريق بستان تاروت بنتيجة ثلاثة مقابل لا شيء، وهي المرة الأولى خلال مشاركاته المستمرة والمتعثرة في هذا العرس الكروي الأخوي لفرق حواري القطيف.

شاركت الكبار والصغار فرحتهم بالقبلات الممزوجة بتحيات العيد ونهاية شهر رمضان الفضيل وكذا تقديرًا وامتنانًا لفريق مر بحظ سيئ على مدى ثلاث نهائيات يصل إليها ويكون قاب قوسين من الظفر، لكن يتبخر حلم نيل الكأس، ليلة البارحة تبسم له الحظ ونال بطولة الزواج الخيري بعد كفاح مرير هزيمة في البدء وتعادل وفوز، وصعد بالكاد للدور الثاني حين اختير أحسن ثالث ضمن المجموعات، أما في المراحل المتقدمة فكان قوة ضاربة حسب ما أبلغني أخي عبدالحي، والسبب عودة لاعبين مؤثرين ذوي خبرة وهم للتو حققوا مع نادي الهدى بطولة دوري الدرجة الرابعة قبل أيام معدودات.

نعم نادي الهدى في منتصف شهر رمضان
حقق إنجازا تفخر به الجماهير التاروتية وكل محب للوردي، بحصوله على درع دوري الدرجة الرابعة على مستوى المملكة، وهو الإنجاز الوحيد في كرة القدم لنادي الهدى على مدى 50 عامًا. إنجاز وضعه ضمن مصاف دوري الدرجة الثالثة، وهو الذي كان فيه من قبل، طموح سوف يتبعه طموح آخر، وهذا ما يأمله الحريصون على النادي من لاعبين وإدارة وجماهير.

قبل بضعة أيام أرسل لي الكابتن سعيد محمد حسين كلمة تفيض محبة وفرحًا للاعبي الفريق الأول لكرة القدم بنادي الهدى وهو الملتحم روحًا وقلبًا وقالبًا بالنادي وحتى لو كان بعيدًا، فإنجاز هؤلاء اللاعبين يعتبر ضمن إنجازه فقد دربهم بالأمس!

واليوم حفّزهم بالمكالمات المستمرة قبل أي مواجهة حاسمة، وبالفعل كان اللاعبون عند كلمتهم، فتحققت الأمال المرجوة بعد عناء وصبر طويل. بملء القلب وتلاوين الفرح هذا نص رسالة الأخ الكابتن سعيد محمد حسين: (ألف مبروك لتاروت، تتويج نادي الهدى بدرع الدرجة الرابعة على مستوى المملكة. مع حبي وتقديري لهذا الإنجاز الرائع، لكن هذا ليس مكاننا، مكاننا الدرجة الثانية وليس الثالثة، السؤال لماذا؟ نحن نتفوق على كثير من الفرق لما نملكه من خيرة اللاعبين خبرة وجودة، المطلوب العمل والاجتهاد بكل ما أوتينا من قوة للصعود للدرجة الثانية، لنعمل جاهدين لتحقيق هذا الهدف، كما انوه لإدارة النادي الموقرة بالاهتمام بالقاعدة، أي الفئات السنية، كم نحن متأخرين عن الركب، بعدما كنا متسيدين في البراعم والناشئين منذ سنوات وحصلنا على بطولة الشرقية، وذهبنا لتصفيات المملكة، لكن الحظ لم يكن بجانبنا، والآن وبعد هذا الإنجاز أقولها بصدق أرى وضعنا غير مطمئن! لماذا حصل التراجع؟ ثمة أسئلة تطرح مع تأكيدي على فرحتنا بتحقيق هذا الإنجاز، اذا لابد من وضع خطة بعيدة المدى تحقق ابعد ما وصلنا اليه، والذي كنا بالأمس فيه، لنعمل سويا لتخطي دوري الدرجة الثالثة ونطمح ليس الثانية فحسب بل الأولى).

ندرك حماسة الكابتن سعيد محمد حسين وحبه لناديه اللامتناهي وهو الذي أفنى العمر فيه منذ نعومة أظفاره متدرجًا بمهاراته للعب قلب دفاع للفريق الأول مع الجيل الذهبي لنادي الهدى نهاية السبعينات الميلادية، هي حماسة المحب لناديه ولأبنائه الذين صقلهم تدريبًا فيما مضى وسوف يحققون بإذن الله ما يطمح إليه الجميع.

وبهذه المناسبة أهنئ اداراة نادي الهدى وكل اللاعبين فردًا فردًا وكل الكادر التدريبي، ومن ورائهم المشجعين الذين سطروا هذا النجاح وتحقق في منتصف ليالي شهر رمضان المبارك لهذا العام.

نعم واكتمل الفرح التاروتي الرياضي ليلة البارحة بتحقيق فريق بستان تاروت كأس بطولة الزواج الخيري (19) وسط أهازيج الفرح التي تواصلت مع شروق شمس هذا اليوم.

البارحة ناديت الفرح أما الفرح ناداني، إني شهدت الفرح في العيون، تماهيت مع الجموع بالقبلات والأحضان، نعم صافحت محبي الفرح الاجتماعي، لقد رأيت من بين الحضور أستاذي في كلية المعلمين (ميرزا الضامن) جالسًا ضمن الشخصيات الحاضرة يبارك للاعبين أجمعين بعفوية أبوية خالصة لقد بلغني أنه حريص على التواجد في معظم دورات الحواري لكرة القدم التي تقام في المحافظة، هو من عجينة الأوفياء وأحد رجالات أندية القطيف العريقة بل ذاكرة كروية حديثًا وأرشيف صور.

والوجه الباسم المهندس أبو رمزي الخباز الذي أراه دائمًا في كل محفل خيري، ومن بين الوجوه الطيبة المهندس عبداللطيف الرويعي مع أخيه عبدالعظيم عبر مؤسستهما الداعم الذهبي لهذه الدورة مع داعمين آخرين جزاهم الله خيرًا.

بالإضافة إلى وجوه رياضية مخضرمة من جزيرة تاروت، وأيضًا إدارة نادي الهدى متمثلة برئيسها وصفي البصارة وكذا المعلق المتألق زهير الضامن، وغيرهما كثير من الشخصيات الرياضية والاجتماعية لا يسع المجال لذكرهم يتقدمهم مجلس إداراة جمعية تاروت الخيرية الحاضن لهذه الدورة.

كنت مبتهجًا والأحاديث تتوالى مع الأصدقاء عن أجيال رياضية مضت، أفرحت النفوس لعبًا وفنًا، حينها سرحت في وجهين كانا حاضرين حفلة التتويج وهما الحاج سيد عباس أبو الرحي والحاج حسين المشور كنت أراهما يصعدان الباص مع كوكبة لاعبي نادي النسر بتاروت يتجهون لملاعب شركة أرامكو في رأس تنورة المضاءة ليلًا، يزاولون اللعب ويؤدون بعض المباريات مع فرق أخرى، طوال ليالي شهر رمضان سنة 1971 و1972م.

وكذا فعلها غريمهم نادي النصر بتاروت، بينما الآن كلما تحركت يمينًا وشمالًا ترى الملاعب بأحجامها مضاءة في كل ليلة، كان لاعبو الأمس يكافحون ويبذلون من عرقهم ومالهم ووقتهم، من أجل بلدهم والاستمتاع باللعب.

تلك هي دردشة كروية ترمي لأبعد من فوز أخ على أخيه في دورة رمضانية حبية. أتمنى من كل قلبي أن تتواصل دورات فرق حواري القطيف بمختلف مسمياتها وعلى مدار العام فهي منجم لاكتشاف المواهب التي تغذي أندية محافظة القطيف لتعود كرة القدم بارزة مثلما كانت من قبل وتحديدًا في عقد السبعينات، بعد أن سحبت منها البساط كرة اليد مع اعتزازنا بهذه اللعبة، يدًا بيد سنصل لما نصبو إليه، لا شيء يضاهي سمعة ورونق ومكانة وشعبية مثل لعبة كرة القدم هي الكرة الجاذبة الساحرة على مستوى العالم.

بطاقة معايدة: “شكرًا من الأعماق للجنة المنظمة من شباب جزيرة تاروت برئاسة نبيل العمران وتحت إشراف رابطة الهواة لكرة القدم، ولكل من نظّم ونسّق ورتّب وجاهد ودعم من مؤسسات خيرية، في إبراز هذه الدورة ونجاحها لهذا العام وكل الأعوام السابقة، مشروع نفعي ريعه إلى مشروع الزواج الخيري التابع لجمعية تاروت الخيرية.

صفحة من الذاكرة: بينما كنت وسط فرح جماهير ولاعبي فريق بستان تاروت وهما يتسلمون الكأس، يرقصون ويغنون ويرفعون الأهازيج والشيلات والهوسات، تذكرت حفلات أندية تاروت القديمة الذين تنافسوا في ليلة عيد الفطر المبارك بإقامة كل منهم حفلًا ساهرًا منوعًا لكل نادٍ يستمر لوقت متأخر من الليل (الخليج، والوحدة، والمنار، والنسر، والنصر)، وتبعهم نادي الهدى بطول عقد السبعينات، من يتصور أن حفلات أندية تاروت المنوعة تمثيلًا وغناء وموسيقى استمرت لمدى 20 عامًا منذ سنة 1964 إلى عام 1984م، الحفلات المتأخرة مرصودة عبر تسجيلات صوتية وصور فوتوغرافية فقط حفل واحد موثق بالفيديو، هل أصبحت تلك الحفلات نسيًا منسية؟

يا راسمي الفرح أحيو الفرح أعيدوا بهجة أعياد الأمس فرح شفيف مؤنس، يلامس شغاف القلب، ورحم الله من أدخل السرور على الناس.



error: المحتوي محمي