قد تنطفئ عليك الكهرباء إما لعدم سداد رسومها المؤجلة لعدة أشهر، أو ربما يكون عطل كهربائي أثر على كهرباء منزلك بالانطفاء، أو ربما يكون عطل عام يشمل جيرانك وربما بلدتك كاملة.
وقد تؤثر أوقات الذروة التي يتم استهلاك الكهرباء فيها بشدة أن يكون هناك ضغط كهربائي على مولدها فيؤدي للانطفاء.
أتذكر أتت لنا سنوات متتابعة كانت لا يخلو شهر رمضان في كل عام من الانطفاء في ليلة من لياليه للضغط الذي تناله كابلات الكهرباء، ولكن المشكلة حُلت الآن بتغييرها منذ عدة سنوات، ولكن بت أشتاقها فتلك الليالي حتى لو كنا فيها نأسى لحال الأطفال لعدم تحملهم حرارة الجو وعدم المقدرة على النوم خاصة إذا كان إصلاح الكهرباء استهلك وقتًا طويلًا لكنها تبقى أيامًا ذات طعم مختلف ولذيذ حتى الطعام الذي نأكله في الظلام يغدو لذيذًا لأنه مرسوم به ذكرى سفرة على الرغم من الظلام فإن نور وجوه ووجود من تحلقوا حولها كان يكفينا لرسم ابتسامة لا بل ضحكة على كل من مد يده ولا يعرف ماذا يأكل.
كنا إذا انطفأت الكهرباء نستغله لعمل أي شيء كنا لا نعمله سابقًا وبوجود الكهرباء فهو وقت للطبخ والفن والرياضة وكل ما يخطر بالبال وكأنه تحدٍ مع الكهرباء أننا نستطيع عمل ذلك بدونها.
فتلقاها فرصة للقاء الجيران بعضهم في حال استنفارهم في وقت طلب المساعدة بإصلاح الكهرباء، ولا يخفى علينا شعور حين تنطفئ الكهرباء لا بد أن يخرج أحد إخواني ليرى هل كان الانطفاء علينا أم على الكل فإذا كان على الكل كان أهون لأن تحمله سيكون جماعيًا.
حين تنطفىء الكهرباء نشعل الشموع ويكون الجو أقرب للروح وسكونها، لأنه لا إزعاج في الظلام.
انطفاء الكهرباء نحتاجه أحيانًا لنعرف الضروريات التي تحتاج كهرباء ولكي نعرف قيمتها بدون أن نسرف فيها.
وفي المقابل نستطيع تمثيل انطفاء الكهرباء بأي شي مهم لا ندرك أهميته إلا بانطفائه، حين تنطفئ عيوننا مثلًا عن البصر سندرك كم كانت لدينا نعمة عظيمة لا ترى فقط بالعين بل تشعر وتتلمس وتُرسل وتستقبل وتتحدث، وهو ما نستطيع تمثيله حين تتعرض صحتنا لقطع التيار عن أحد مولدات الكهرباء في أعضائها فحين يُقطع التيار عن أحد الأعضاء لا يرجع الجسم مضيئًا وهو ناقص لنور أحد أعضائه.
حتى المال يمثل كهرباء نحن لا ندرك قيمته إلا حين نصل فيه للإفلاس وانقطاع إمداد تياره.
لكن هناك انطفاء أعظم من كل ذلك وهو حين ينطفئ تيار التوجه لرب السماء، حين تجف العيون، وتقسو القلوب فلا تجد فيها الخشوع ولا الخضوع لا بل تجد بعض الكلمات التي يتأثر منها الصخر لا تؤثر في القلب ولا تزيد شيئًا من حركة دقاته.
ولدينا -ولله الحمد- من يشحنون كهرباء أرواحنا إذا أوشكت على الانطفاء وهم محمد وآل محمد، ومن يشك عليه فقط بالتجربة.
وهنا أذكر في ليلة أمير المؤمنين الإمام علي (ع) وفي لحظة صعود روح الإمام ووفاته قبل أن تنطق القارئة جملة وأغمض عينه ومدد يديه ورجليه وفاضت روحه، نحن لم نسمع هذه الجملة لأن الكهرباء انطفأت لحظتها وعادت لكن الانطفاء المفاجئ أثر على الأجهزة فلم يعملوا جميعهم.
وحتى مع إحساسي أن بعض الأجهزة ليست جمادات كما نظن وتملك إحساسًا تشاركنا فيه وكانت لا تقوى على قول تلك الجملة الأخيرة، لكنه حرك إحساسًا أقوى فلم يتعطل المجلس بانطفاء الكهرباء على الميكرفون لأن أصوات الجميع انقلبت قرّاء وناعين على إمامهم المفارق دنياهم لتساعدهم الجدران على رد الصوت وترديده.
كل شيء قد يخمد بانطفائه إلا عليّنا حتى بمفارقة روحه الدنيا لكنه بقي خالدًا في القلوب قبل الألسن التي تكرر اسمه يوميًا عند الجلوس والقيام والشدة والرخاء وكل أمور الحياة.
وحري بنا أن ندعو الله أن يطفئ علينا كهرباء الدنيا ولا يطفئ كهرباء وجود أميرنا علي (ع) من حياتنا في الدنيا والآخرة.
فيا شهر الحزن على والدنا علي (ع) في يومك الثاني والعشرين في يوم وحشته لا زلت أسأل هل أنا في سُفرة من الانطفاء لديك أم في سَفرة عنه؟