الرؤيا والرؤية.. وجهان متناظران في مرآة الحياة .. حَدَثٌ وَحَدِيثٌ “42”

لَعلّ بِنْيةَ المُفردَتين المُتناغِمتَين “رُؤيَا ورُؤيَة” تَشترِكَانِ رَسمًا وشَكلًا، في جِنَاسِ مُحَسّنٍ بَدِيعيٍ نَاقصٍ؛ وتَختلِفانِ مَعنىً ومَفهُومًا، في سَكّ أبجدِيّاتِ الشرحِ اللّغوِيّ المُفصَّلِ، لِلبَيان المُعجَمي لِكلٍ مِنهمَا. “فالرؤيَا” هِي سِلسِلةُ الأَحدَاثِ الحَيةِ، والمَشاهِد المُتَتالِيةِ، التي لَا يَلبَث إلَّا أَنْ يعِيشهَا ويَراهَا النائمُ، رَيثمَا يَغُطُّ في مُستَهلّ نومٍ عَميقٍ هَادِئٍ، في شَريطِ بَاقةِ أََحْلَامِهِ اللّيلِيةِ طَواعِيةً؛ ويَتسَامَر مَعهَا اسْتِلطافًا، في مَشاهِد بثٍ حَيّةٍ، في فَساحَةِ بُستانِ مُسَلسَلٍ “مُثِيرٍ مَاتعٍ” في وِعَاءِ حَافِظةِ جَعبةِ عَقلِه الباطِن؛ وقَد يَرَى اندِهَاشًا؛ ويُشاهِد انجِذَابًا -العَجَبَ العُجَابَ- مِن زَخمِ الأَحدَاثِ والوَقَائعِ، المُبالَغةِ والشّاطِحَةِ مَعًا، في غَمرةِ سَاعةٍ زَمنِيةٍ حَالِمةٍ وَاحِدةٍ؛ وقد يَكونُ لَها ارتِباطٌ وَثِيقٌ بشَحذِ الهِمَم؛ وتَعلّقٌ لَصِيقٌ بقَدْحِ العَزَائم؛ وأَثرُ بَصْمةٍ في مُرتَكزِ مَواطِئ أَقدَامِ الواقِع المُعاش…! أمّا ‘الرؤية” في المَبحَثِ اللغوي المُقابِل، فَهي إِبصَارُ تِلكَ الأُمُورِ الحِسّيةِ القَائمَةِ، بأُصُولِها المُجَسّمةِ المَرئيةِ، قَلبًا وقَالبًا، بأَحدَاق العينِ المُجرّدةِ؛ أَو إدرَاكُها بمجَاسِ الحَواسّ الراصِدةِ؛ أو بتَمَنِّنٍ بقَصْدٍ؛ وتَطلُّعٍ بسَعْيٍ؛ لرَصِيدِ كَنزِ جَوهَرِها؛ وتَصوّرِها بعَزيمةٍ تَوّاقَةٍ، لِكُنهِ أبعَادِها الثلاثِيةِ- جُملَةً وتَفصِيلًا- قَائمةً في مَحَطِّ حَلبةِ أَرضِ الواقِعِ المُعاشِ، بفَائقِ مُحفّزَاتِ الاجتَهادِ المُثابِرِ؛ ورَائقِ مُعزّزاتِ البَذلِ المُستّمِر، وِفْق بَرنامَجِ أَجِندَةِ أهدافٍ مُستَهدَفةٍ، في سِياقِ طَيّ نِطاقِ مَنظوَمةِ إِمكانِيّاتٍ اقتِصَادِيةٍ، وسِياسِيةٍ، واجتِماعِيةٍ، ومَعيشِيةٍ… مُهيّأةٍ مُتاحَةٍ، لجُملةِ سَلَّةِ أَهدافٍ ذَكيةٍ؛ وحُزمَةِ مَرئياتٍ مُصاغَةٍ؛ ونِتاجِ عُقُولٍ مُثابِرةٍ؛ ورِزمَةٍ مِن فَيضِ سُلُوكٍ نَابضٍ، بمُبارَكةِ غَربلةِ وَعيٍ حَكيمٍ حَاضرٍ؛ واستِجمَاعِ عَصفٍ ذِهنِيٍ طَمُوحٍ نَاظرٍ، يَتطلَّعانِ شَغفًا، إِلى سُدَّة مَشارِف رُؤى مُستَقبلِيةٍ طَمُوحٍ؛ ويَشرئبّان بالأَعناقِ طَوْعًا، إلى مُنتهَى عَنانِ أُفُقِ مَراقٍ استِشرافٍيةٍ وَاعِدةٍ، تأْخُذُ استِحسَانًا، بنَاضِجِ خُطَطِهما المُتقنَةِ الرائِدةِ قُدُمًا، وَاثِقةً مُستَوثِقةً، بحَرَاكِ زِمَامِ مِقوَدِ المُبادرَةِ الذاتِيةِ؛ بتَنوِير نِتاجِ الفِكْرِ الإِنسانِي المُبدِع؛ وتَطوِيرِ وَاقعِ صَيرُورَةِ الحَالِ المَعاشِي الراهِن، إلى أَحسَن حَالٍ مُتحَضِّرٍ، وَاعِد… !

ويُطيبُ لِي في طَيّ سُطُورِ خَاطِرتي المُتواضِعةِ، أنْ أَمرَّ مُرورَ الكِرامِ، بوَجهٍ تِقْنِيٍ خَاصٍ، عَلى خُصُوصِيةِ مُفرداتِ تَوظِيفِ بَاقةِ وِحْدَةٍ “رُبَاعِيةٍ” مُترابِطةٍ مُتكامِلةٍ، مِن أَهَمّ وأعَمّ المُصطَلحاتِ الإستراتِيجِيةِ التَنظِيمِيةِ المِعيَارِيةِ؛ لِبنَاءِ أُسُسِ ولَبِناتِ تَوطِين “الرؤيةِ الإستراتيجيةِ” الشامِلةِ، لمُنشأةٍ نَاشِئةٍ، فمَا فَوقهَا، والتي عَادةً، مَا تَستخدِمُها أَفْرِقةُ الخُبراءِ والمُنظّرِين القِيادِيّين، في رَسمِ ونَظمِ مُخطّطِ أُطُرٍ مِحوَرِيةٍ، في آفاقِ أسَالِيب التفكِير؛ ومَرافِق مَناحِي التخطِيطِ الإستراتيجِيَين المُبرمَجَين؛ لرَسمِ وإِحدَاثِ نُقلةٍ نَوعِيةٍ؛ لتَطوِيرِ هَيكلَةِ أَسَاسِ بِناءٍ إستراتيجيٍ مَتِينٍ، لمُنشأَةٍ تِجارِيةٍ؛ أَو اقتصَادِيةٍ؛ أو تَنمَوِيةٍ؛ أوحَتّى غَير رِبحِيةٍ…! وتَتوارَدُ إلى نَاصِيةِ الذّهنِ سِرَاعًا، في أوّلِيّاتِ وأولَوِيّاتِ بُنودِ- المُخطَّطِ الإنشَائي الأَزرَق- لاستِهلَالِ بَدءِ عَملِ خُطةٍ إستراتيجيةٍ سَالِكةٍ، لمَشرُوعٍ مَا، تَتصدّرُها: (الرسالة، والرؤية، والقِيَم، وبُنود الخُطةِ الإستراتيجيةِ، الهَيكَليةِ)* وباختِصارٍ مُقتَضَبٍ، سَأَبدَأ تَحُدّثًا- على بَركةِ اللهِ تعالَى- بتَناوُلِ أُوْلَى تِلك المُصطلَحاتِ المُتداخِلةِ؛ لغَزلِ نَسِيجِ خَميلةِ مُلوّنةٍ، في جَلسةٍ وَاحِدةٍ… “فالرسالة” يُحَدَّدُ نَصُها بِدقّةٍ مُبسّطةٍ فَائقةٍ، وبتَسَاؤلٍ سَهْلٍ وَاضِحٍ: لِماذَا أُنشِئَت “شركةٌ” مَا، بغضِّ النظَر عَن نَزعَةِ التخَطّي المُبيّتَةِ؛ ورَغبَةِ القَفزِ العَشْوائِي المُتسَرِّع، مِن فَوقِ كُلّ تِلك الاعتِبارَاتِ الفَنِيةَ، والقِيَم، والخُطَطِ، والوسَائلِ التنظِيميةِ… للوصُولِ التائقِ إلى نَهَم صَفقةِ الربحَ الفَجِّ “الفَاحِشِ”… ! بَعدهَا يُصَاغُ نصُّ عِباراتِ الرسالةِ المُنتقَاةِ، بعِنايةٍ ودِرايةٍ، لَا تُدانِيهِما أثرُ المُبالغةِ؛ أَو تُخالِطُهما شَائبةُ المُوارّبةِ؛ وأنْ لَا يَنسَى استِهانَةً؛ أَو يَهمِلَ المْخطّطُون تَهاوُنًا، ارتِباط الرسالةِ بِسؤالٍ جَوهَريٍ مَطرُوحٍ: “بِكَيفَ” نُحقِّق أبعادَها، المُتّفَق ابتِداءً، على صِياغَة نَصِّها المُتقَنِ؟… ولَاحِقًا، يَكونُ الجَوابُ الصائبُ، في طَي رِسالةٍ تَامةٍ، مَرفُوعةٍ مَشفُوعةٍ بشَفافِيةٍ مَحْضَةٍ، رّاسمَةً لإستراتيجيةِ العملِ الدّؤوبِ الجَادِ؛ لِتحقِيقِ بَاقةِ الأَهدافِ المَرسُومةِ. وثَانِي أَثافِي تِلك الخُطواتِ البِنائيةِ المُخطَّطَةِ، تأتِي “صِناعةُ مُحتوَى الرؤيةِ” والذي يَصِفُ ويُصَنِّفُ ببسَاطةٍ ووُضوحٍ مأمُولَين، تَصوّرٍ واستِكشَافٍ مُنتظَرِين، لجَوانبَ قَوامِ بِنيةِ أُسُسِ المُستقبَل، بُعَيدَ رَسمِ وصِياغَةِ أُطُرِ، ومُحَدِّداتِ، وهَياكِلَ مُخطَّطِ أَبعَادِ جُلَّ أَرْصِدةٍ مُعطَياتِهِ الافتِراضِيةِ، على أَرضِ الواقِع… وعَادةً مَا تكُونُ مَهارَاتُ صِياغَةِ الرؤيةِ مُحَفِّزةً للمَشاعِرِ الإيجَابِيةِ؛ وتَحوِي جَاذِبيةَ المُتابَعةِ الجِدِّيةِ؛ وفي هَامِش جَانِبيها المُرتقبَين، يَطِيبُ صِدقُ المَورِد؛ وتُحفّزُ عزائمُ المَقصَد، بحّيث يُمكنُ رَبطُ “هَيأةِ الرؤيةِ” ذَاتيًا، بالسؤال المِحوَرِي لاحِقًا؛ ليَصلَ جَهدَ المُخطِّط القِيادِي المَاهِر، إلى جَوهَرِ سَوِية خُطةِ العَملِ الإِستراتِيجِيةِ المُقتَرحَةِ، مُتجذّرَةً ومُتَجدِّدَةً، بسُؤالٍ “قَبْلِي” مُحَدّدٍ: كَيف يَتِمُّ الوصُولُ السّهلُ المُيسّرُ إلى سَقفِ تَحقِيقٍ كَمٍ أَسْمَى مِن مُعطياتٍ، وأهدافِ، ومُرتكزَاتِ، ومُنجزاتِ مَرجُوّةٍ، في مَنظُورِ زَخمِ رَيعِ تلك الرؤيةِ المِعطَاءِ المُنتظَرَةِ؟. تَتبَعُها الخُطوَة الثالِثة “صِياغةُ القِيَم” وهِي قَائمةُ الأُمُورِ الرئيسةِ والمِعيَارِيةِ، لإنجَازِ أداءَ الرسالةِ المُعلَنةِ سَابقًا…
ولَعلَّ مِن أهمّ مُرتكزاتِها الأَسَاس: رُوحُ الشفافِية؛ وحُضورُ الوِجدانِ؛ وأريحيةُ النزَاهةِ… ولَاحِقًا، تَنعكِسُ إيجابِياتُ سَكِّ ورَبطِ حُدودِ وبُنود هَيأةِ ذلك المَنهجِ الصّرِيحِ الوَاضِحِ بِرمّتهِ، بشَفافَيةِ القِيمِ؛ ومُرونَةِ بَرامجِ سَيرِ الأَدَاءِ العَملِي المُتناسِقةِ مَع وُضُوحِ وسُطُوعِ خُطَطِ مَوازين الإستراتيجيةِ التشغِيلِيةِ لَاحقًا. ورَابِع عَملِ تِلك المُفرداتِ المُتداخِلةِ المُتوالِيةِ، يَأْتَي تِباعًا، تَدشِينُ مُفردَاتِ “الخطةِ الإستراتيجيةِ التشغِيلِيةِ” الشامِلةِ عَمليًا، ومِن أَهمّها: تكلِيفُ فَريق عَملٍ مُتَمكّنٍ مُتميّزٍ، لِسَيرِ مُتطلّباتِ المُتابعةِ والتَنفِيذِ: إنشَاء مَكاتِب مُسانِدةٍ؛ ومِثلِها للعَلاقاتِ العامّة، وتَوزِيع المَهَامِ؛ وتَقيِيمِ العَملِ المُنجَزِ، لجُزئيّاتِ الخُطةِ التشغِيلِيةِ المُنفَّذَةِ، لِكلِّ جِهةٍ فَرعِيةٍ…!

هَذا، وبذلك التِبيَانِ المُوجَزِ، أَصِل- بفَخرٍ وإعْجابٍ- مُستَحِقَّينِ، إِلَى تَسنُّمِ وتَصَعُّدِ حِيازَةِ جَوهَرةِ مَمْدَحةِ الإِشادَةِ المُنوِّهَةِ، بمَتانَةِ المُرتكَزاتِ الراشِدَةِ الرشِيدَةِ، فَوق هَامِّ السّحابِ، لخُطةِ “رؤيَةِ” المملكةِ العربيةِ السعوديةِ المُستقبلِيةِ الطمُوحِ “2030”… فمنذ بَدءِ تَدشِينِ قَدْحِ بَاكُورةِ انطلَاقتِها الرشِيدةِ عَينِها، مِن لَدُن مَقامِ خَادمِ الحَرمَين الشريِفَين، المَلِك سَلمان بن عبدالعزيز آل سُعُود حَفِظَهُ اللهُ تَعالَى، أَمَام جَلسةِ مَجلِسِ الوُزَراءِ، بُعَيدَ إقرَارِها مِن مَجلِس الشؤونِ الاقتِصادِيةِ والتّنمِيةِ، في 26 أبريل 2016؛ أَتبَعَ خَبَر ذلك الإِِعلَان المُباشِرِ المَيموُنِ، احتِضَانٍ سَامٍ، ومُتابَعةٍ ذَاتيةٍ، وعِنايَةٍ فَائقةٍ، مٍن لَدُن مَقامِ رَائدِها الفَذِّ الطمُوحِ: صَاحِب السّمُو المَلكِي الأَمِير مُحمّد بن سَلمان آل سُعُود، ولِي العَهدِ الكَرِيم، ورَئيس مَجلَس الشؤونِ الاقتصادِيةِ والتنمِيةِ، حَفِظَهُ اللهُ تَعالَى؛ لتُستَهَلَّ وتُسَهَّلَ، بحِكمةٍ وحُنكةٍ، حُلولُ آفاقٍ ومَسَاعٍ لمَرافِقٍ مَأمُولةٍ، مِن مَسِيرةِ قَوافِل حَضارِيةٍ مَدرُوسَةٍ، لِسِيرةِ نهضةٍ مُتجدِّدَةٍ قَادِمةٍ، مِن أَجَدِّ، وأَعمَقِ، وأعرَقِ مُعطَياتِ التنمِيةِ الشامِلةِ المَرغُوبةِ؛ شِعارُها الوَطنِي الأََسمَى: (مُجتَمعٌ حَيوِيٌ، واقتِصَادٌ مُزدَهِرٌ، ووَطَنٌ طَمُوحٌ)* فِي طُولِ سِلسِلةِ مَنهجِ بَرامِج تَنموَيةٍ، واجِنداتٍ رَائدةٍ، وخُططٍ مَدرُوسةٍ؛ مِن مُنطلقِ وَاقعٍ مَلموسٍ، يَتمثَّلُ- بِجدِيةٍ فَائقةٍ- بِناؤه المُوطَّدِ، في ثَلاثةِ مَحَاوِر مُرتكزاتٍ رَئيسةٍ: (عُمقُ المملكةِ العَربِي والإِسلَامِي؛ وقُوةٌ استِثمارِيةٌ ضَخمَةٌ؛ ومَوقعُها الجُغرافِي الإِستراتِيجي)*… ومِن أَبرَزِ مَلامِحِ شَواهِد لَبِناتِ الرؤيةِ البِنائِيةِ المِحوَرِيةِ المَنصُوصَةِ، في طَيّ وثَيقَتِها الأُمِّ الناهِضَةِ: (المُرتكَزاتُ الأسَاس؛ والبَرامِجُ المُتنوّعةُ؛ والأَهدَافُ الرئيسِيةُ الثابِتةُ)*… والله أَسأل التوفِيق والسدَاد المُأزّرَينِ للوطَنِ الغالِي، مَلِكًا، وحُكُومَةً، وشَعبًا!


الهوامش
*يوتيوب- المدرب القيادي د. وائل أمين
* * * يوتيوت- شركة مال الإعلامية الدولية- الرؤية السعودية 2030- المرتكزات والبرامج والأهداف



error: المحتوي محمي