{وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ} دعاء نبوي كريم من نبي الله إبراهيم أن يجعل له ذكرًا جميلًا في الحياة وبعد الممات!
والذكر للإنسان عمرٌ ثانٍ. في ظل وتيرة الحياة المتسارعة، لم يعد من السهل أن يدرك الإنسان كل ما يصبو إليه من آمال وتطلعات، فقطار الحياة لا يتوقف إلا في المحطة الأخيرة! فلا توجد محطات توقف يمكن من خلالها أخذ قسط من الراحة لنعاود بعد ذلك الصعود والسير نحو المحطة الأخيرة!
إن التخلف عن اللحوق بالقطار سيجعل الإنسان يعيش حقبة زمنية مختلفة ومتأخرة عن ركب الحياة، فالقطار لن يتوقف ولن ينتظر أحدًا، إنّ السعي الحثيث لكل فرد لتحقيق أهدافه يتضمن رغبة وحرصًا على أن تكون هذه الأهداف ذات قيمة تترك أثرًا وبصمة واضحة في حياتنا وحياة الآخرين في الحياة وبعد الممات، كل فرد منا يتمنى أن يكون الأثر الطيب لأهدافنا ملازما لنا كظلنا في حياتنا وبعد مماتنا ووفيًا لنا بقدر ما كنا أوفياء له.
والسؤال الأهم والأصعب هو هل نستطيع فعلًا ترك أثر وبصمة لنا بعد الرحيل تجعل لنا لسان صدق في الآخرين؟ ذكرًا جميلًا على لسان الأجيال المتعاقبة نكون من خلالها نماذج يقتدى بها؟ فنعيش في عقول وقلوب من كان محيطًا بنا وعاش معنا فترة زمنية من مراحل أعمارنا الفانية! هذا ما يتمناه الكثير ولكن نيل هذا المطلب لا يتحقق بالتمني فقط!
فكيف نستطيع ترك الأثر الذي نرغب فيه ونحاول أن يكون جميلًا في قلوب الآخرين؟ وعلى أقل تقدير، إن لم نستطع فعل ذلك فلا نجعل الآخرين يذكروننا بسوء في الحياة وبعد الممات!
أمران مهمان في المقام لتحقيق الذكر الجميل؛ الجانب الروحي والمتمثل في النوايا الصادقة والمشاعر الطيبة والإخلاص في كل ما نقوم به من أعمال لما لذلك من أثر في بقاء وديمومة آثار الأعمال، والجانب الآخر هو الجانب المعاملاتي والمتمثل في الحكمة النبوية “أحبب لأخيك ما تحب لنفسك واكره له ما تكره لنفسك”، وإنصاف الآخرين من أنفسنا!
إنّ الشخصية المتزنة لا تسعى للفت الانتباه إليها وجذب القلوب نحوها بالتكلف والرياء! فالنفوس الطيبة تنجذب إلى أشباهها بناء على قانون الجذب!
إنّ الذين يعيشون منظومة القيم والأخلاق وروح الرضا والتسليم والتسامح في سلوكهم، هؤلاء هم الأقدر على الابتسامة في وجوه الآخرين رغم الجراح التي يعيشونها وهم الذين يظهرون أفضل ما لديهم من الحمد والرضا عند سؤالهم عن أحوالهم! “المؤمن بشره في وجهه وحزنه في قلبه”.
إن التحرك ضمن هذه المنظومة يكفل لنا ترك الأثر الإيجابي في نفوس الآخرين فنبقى في قلوبهم ذكرى طيبة جميلة. إننا نحصد ما نزرع، فبقدر ما نعمل ضمن المعايير القيمية مع المراقبة لأفكارنا وأفعالنا، سيكون حجم الأثر والذكر الجميل. ولنتذكر الحكمة العلوية الجميلة والتي تلخص فكرة هذا الموضوع “عاشروا الناس معاشرة، إن غبتم حنّوا إليكم وإن متم بكوا عليكم”.