قم بالانضمام للمجتمع!!

خدمة جديدة طرحها برنامج الواتساب تتيح إرسال الرسائل لأكبر كمية من المرسلين دون إضافتهم في الرسائل الجماعية ودون معرفة المضاف في هذا المجتمع، ولكن يمكن معرفة عدد المضافين.

الفكرة في حد ذاتها قد تكون جميلة ومختصرة للوقت، ولكن أظنها تشبه حال بعض المجتمعات التي لا يعلم المجتمع فيه عن بعض أفراده وسلوكياتهم في بعض المواقف.

قد نرى بعض البرامج التي لا تكتفي بما يُسجل بالاستديوهات لطرح موضوعاتها ولكن تجعل ساحة الشارع ساحة لما يدور داخل المجتمع ورؤية نماذج منه.

أحد اليوتيوبرز أعد له فقرة قصيرة في اليوتيوب ليرى كيف يتصرف المجتمع في بعض الحالات الإنسانية التي تستلزم المساعدة كمساعدة عامل وقع الأكل الذي يقوم بتقديمه، أو إخبار صاحب المحل بسرقة أحدهم، أو الاعتراض على تخطي عمال ينتظرون دورهم ليحتل دورهم هو، كلها كانت ربما تمثيل لكن ما هو واقع هو من سيتصرف مع هذه المواقف هل سيكون هو البطل فيها أم سيكون فردًا يلتزم الحياد؟.

قد نستغرب أحيانًا بعض التصرفات لبعض الأفراد في المجتمع لدرجة نستنكر وجودها في مجتمع اتسم بالولاء لأهل البيت (ع) وهي بالطبع حقيقية وليست تجربة اجتماعية.

في إحدى المرات وأنا أقلّب في حسابي بالإنستقرام أثار غرابتي رسام كان يعرض رسوماته على الناس وكان بينها إحداها على ساعد أحدهم لا أعلم إن كان يطلق عليه وشمًا أو “تاتو” حسب المسمى الحديث، لكن الرسم كان مكتوب عليه “لا فتى إلا علي” مع وجود رسم لسيف “ذو الفقار” لإكمال مقولة “لا فتى إلا علي ولا سيف إلا ذو الفقار”.

ووجه الغرابة هي في كون صاحب الحساب قطيفيًا، وبالطبع لمن وضع هذه الرسمة على ساعده، وكأن السؤال بقي معلقًا بينهما في الهواء أكان الإمام علي (ع) يُعجب بهذا الأمر الذي فيه تشبه بما يفعله الكفار.

وبغض النظر عن حليته أو حرمته يكفي التشبه فيه ويكفي المنظر العام الذي سيظهر به ويظن به البعض عدم الانتماء من رسومات جسمه مهما كانت تعبر عن شيء من انتمائه لكن تعبيره خانه فيها.

ولأتأكد من هذا الشعور بالغرابة سألت ابن أخي ذي الثماني سنوات حين يرى شخصًا به رسوم بساعده أو بجسمه ماذا سيظن به؟ فقال إنه سيظنه كافرًا مثل بعض اللاعبين الذين يتابعهم وتمتلئ أجسامهم بالوشوم، ولا يعلم أن من يعملها بات ليس أجنبيًا لكنه بات من هو من مجتمعنا الإسلامي الولائي لكنه يحمل فكرًا أجنبيًا.

قد يقول قائل إن المظهر لا يؤثر في الجوهر وأن الأعمال بالنيات فهناك من يلبس لباس الدين وهو أبعد الناس عنه، وهناك من يلبس لباس الغرب لكنه قريب من الله، أقول من الممكن أن يكون كذلك ولكن نحن خُلقنا لنتكامل حيث يتكامل الظاهر مع الباطن، فلم إذن نرفع رايات الشعائر ونهتم لأجلها؟

لأنها علامات توحي بمظهر ديني يعرف الناظر إليه أن هناك أمرًا خاصًا بالدين يجري في هذا المكان أو لدى هذا الشخص أو عند هذا المجتمع.

نحن ونحن أشخاص عاديون في حياتنا العادية قد نُلقي حكمًا على أي أحد بمجرد النظر لمظهره، وحين تكون لدينا مقابلة عمل شخصية ينصحنا الكثير بالاهتمام بالمظهر لأن صاحب العمل سيبني انطباعًا من هذا المظهر، فما بالنا لا نهتم بمظهر الدين فينا وانطباع الآخرين والأهم انطباع أهل البيت الذين ندين لهم بالولاء عن درجة اهتمامنا ببروز مظاهر الدين فينا لا غيره؟.

بالطبع المظهر لا يكتمل إلا مع جوهر، فليس المقصد العناية بقسم دون الآخر لأن ذلك سيؤدي لنتيجة ناقصة.

حين نرى ظواهر في المجتمع تخرج وتبدأ بالزيادة عامًا تلو العام ولا يكون هناك مستنكر لها فهي بالطبع ستبدأ بالتكاثر دون أن ندرك أننا كنا فيها الشيطان الأخرس، لأن المتضرر سيكون مجتمعًا كاملًا وليس فردًا واحدًا.

هناك رواية عن مولانا باقر العلوم (ع) أظنها رواية خطيرة تستدعي التأمل والعمل حيث يقول فيها: إن الله -عز وجل- أوحى إلى شعيب النبي (عليه السلام): إني معذب من قومك مائة ألف، أربعين ألفًا من شرارهم وستين ألفًا من خيارهم، فقال: يا رب هؤلاء الأشرار فما بال الأخيار؟ فأوحى الله عليه: أنهم داهنوا أهل المعاصي ولم يغضبوا لغضبي”.

كم فعل استنكرنا وجوده في مجتمعنا الحبيب ولازمنا الصمت فيه دون تحريك ساكن لتغييره!

لماذا بتنا في زمن مباح فيه التنمر على من يلتزم بدينه ويحافظ عليه حتى لو كان في مجتمع محافظ ويبجل ذاك الخارج من أسواره بداعي مواكبة التحضر؟

بالطبع نحن مع الإنجاز والتقدم في المجتمع ولكن أيضًا مع رسم الحدود المباحة كي لا يخرج عنها.

نحن نحتاج العلم لنرتقي بمجتمعنا كي لا نغرق بوحل الجهل، شيء جميل ومشّرف أن نلقى طلاب قطيفنا في أبرز منصات التفوق والتكريم، لكننا نطمح للتفوق في مسارات أعمق بالعلم حيث التفقه بالدين، فهناك من يصل لمراتب من الدكتوراة لكنه في دينه لا زال قابعًا في صفوف التمهيدي حيث لا يعرف إلا النزر القليل منه.

ففي شهر الأماني المحققة نحن الجاهلين نرفع أكف الضراعة لنطلب أن نتزود من فيض العلوم الذي لا زلنا لا نملك إلا قطرات منها ونطمع في المزيد ولا نطلبها إلا ممن بقر العلم بقرًا لعلنا نخرج من هذا الشهر بحصيلة علمية تنقلنا من مرحلة إلى مرحلة متقدمة أكثر.

فيا شهر الله في يومك السادس عشر والذي جئته متأخرة جدًا لعدم إمهالك لي من فرط سرعتك بعد انتصافك، جئت أسألك هل أنا في سُفرة من العلوم فيك، أم في سَفرة عنها؟



error: المحتوي محمي