في «بستان قصر تاروت».. المحسن والمصلي يتحدثان بـ الأمثال الشعبية

تحدث الدكتور عبد الله العبد المحسن عن عادات المجتمعات وتقاليدها وأمثالها الموروثة والتي تختلف من مجتمع لآخر، مبينًا أن العادات والتقاليد موروث ثقافي، يعكس حضارة الأمة وأصالتها وخصوصيتها، ويحفظ هويتها الدينية، والاجتماعية، والثقافية.

جاء ذلك في محاضرة “العادات الاجتماعية والأمثال الشعبية في تاروت” التي أقيمت مساء الجمعة 16 رمضان 1444، بمشاركة الدكتور عبد الله العبد المحسن، والباحث الفنان محمد المصلي، وأدار الحوار خلالها سلمان العيد، والتي أقامها “بستان قصر تاروت” في نسخته الثانية بتنظيم من جمعية تاروت الخيرية، وبرعاية محافظ القطيف أبراهيم بن محمد الخريف، وبالشراكة مع بلدية محافظة القطيف، بساحة القلعة التراثية.

وبيّن الدكتور العبد المحسن أن العادات والتقاليد تعني العادات المتوارثة من الأجداد للأبناء، وقسمها لقسمين: عادات جميلة مثل تماسك الأسرة والجيران، ومشاركة أفراد المجتمع في الأفراح والأتراح، وعادات سيئة مثل تخويف الأطفال بأم الخضر والليف، متحدثًا عن عادات الزواج والأمثال الشعبية والمعاملات الشعبية والألغاز الشعبية.

وذكر أن الزواج في مجتمع تاروت كان له أهمية كبرى في توليد تغدية الأبناء لنيل الشرف والزيادة في النسب، مشيرًا إلى أن للزواج سمتين مميزتين؛ الأولى هي انتشار الزواج المبكر، وزواج الأقارب.

مواصفات العروس
وأوضح أن سن الزواج للشاب يتراوح بين 15-20 سنة، بينما سن الفتيات من 13-17 سنة، منوهًا بأن زواج الأقارب شاع من بنت العم، والعمة، والخالة حيث لا يملك الشاب أو الفتاة حق اختيار شريك العمر، وعليهما القناعة والاستسلام لما يقرره الأهل، الذين يحددون مواصفات الزوجة المناسبة، مثل الهدوء والقدرة على العمل في المنزل الكبير للعائلة، وأن تكون حسنة التصرف، ووديعة، ومطيعة، مع مسحة من الجمال، كما يحددون شروط الزوج وهي أن يكون حسن السمعة، ودؤوبًا على العمل.

الخطوبة
وقال: “ثم تبدأ عملية الخطوبة، فيتم التقدم لأهل الفتاة من قبل والدي العريس، ويكون المهر غير محدد حسب الطبقة الاجتماعية”، منوهًا بأن المهر كان في حدود 200 ربيه، والثري من 500-1000 ربيه.

وأضاف أنه في حال تم القبول يحضر الشيخ لعقد القران، وكإشهار للخطوبة يقوم الأهل بتوزيع القناطي (وهو نوع من الحلويات) أو السمك بعد العقد مباشرة، مبيّنًا أن الفتاة المخطوبة لا تخرج من البيت ولا تتزين قبل يوم الزفاف، فلا تضع الديرمة ولا تتطيب إلا ليلة الزفاف.

جهاز العروس
واستذكر “العبد المحسن” جهاز العروس وما يحتويه، موضحًا أنه عبارة عن حصير، وبعض القماش المزركش، وبعض المناضر التي توضع في داخل غرفة العروس، وملابس تقدم للمرأة منها المشامر البرسيم، والثياب الهاشمي، والسراويل المتنوعة، مثل سروال نارجيلة حمد، وأبو خويصة، والثوب المسرح الزري، ووسادتين وطشت، وإبريق، وصندوق محلى بنقوش يجلب من الهند.

وأردف قائلًا: “أما أنواع الذهب مثل المعاضد، والخلاخيل، والأساور (التنابيل) وزوج من الأقراط، والخزامة، وطوق ذهب، وذلك حسب مقدرة الزوج، ويمكن أن تطالب أهل العروس بجلب العبايات والمخانق والنفانيف”.

ليلة الحنة
وتكلم عن ليلة الحنة التي يلتم فيها جمع من أهل العريسين والصديقات وقال: “تقوم الداية أو إحدى قريبات العروسة بتجهيز الحنة، وعجنها، ووضعها على يدي ورجلي العروس، وسط ضوء الشموع، وتقوم الفتيات بعمل حلقة دائرية حول العروس، بحيث تكون العروس مع الداية في وسطها ويرددن الأناشيد مثل: ليلة الحنة على العدرى تعود.. نورها مثل البدر والعين سود”.

ليلة “لغساله”
وألمح إلى أنه في ليلة “الغسالة” يقومون بحلق شعر وذقن المعرس، ويركبونه على حمار أو حصان، ويدورن به حتى يوصلوه لحمام باشا، فيقوم أصدقاؤه بغسل جسمه وصنفرته إلى أن يرجع البيت، وسط الأناشيد ويحنونه قبل الدخله بليلة أو عصرية ليلة العرس، وتكون الحناء في القدم وجزء من اليد، وأثناء الزفاف يطلعون في زفة وراء المعرس حاملين الشموع ومرددين الأناشيد، أما العروس فيكون بالزخارف بالعجين وتسبحها صديقاتها في العين العودة، ويغسلن جسمها استعدادًا للزفاف وسط الأناشيد:
يا زفة العذرى يمحلاها
ويلوق في الكفين حناها

الزواج والوليمة
وأكمل الدكتور عبد الله قائلًا: “تقوم الفتيات بتزيين العروس، وتؤخد لبيت زوجها ويتم وضع برسيم على باب البيت في يوم الزفاف، وتدوس عليه العروس، ويعتبرونه فأل خير وأول ما تدخل يجلسونها على كرسي ويسوون لها واتريمبوه يالمالي، أما الضيفة فقد تمتد لسبعة أيام ولا توجد مطاعم إذ يتساعد أهل الزوج في الدبح والطبخ والتجهيز”.

وأبان أن أهل الزوجة سابقًا كانوا يبقون العروس في بيت أهلها فترة حتى تتأقلم مع الزوج ثم تنتقل لبيت الزوجية الذي يضم عادة عدة عوائل في منزل واحد، وتكون مع العروس الداية التي تقوم بغسل رجلي العروسين ويقوم الزوج برمي النقود التي تعود للداية، وتسهر للفجر مع العروس وتقوم طوال أسبوع بخدمة العريسين.

وأكد الباحث محمد المصلي على أن الدين والعقيدة بوصلة، وهما قطبان لبرمجة بعض السلوك، وطريقة للتربية، ولكن ليس الجميع يلتزم بالعقيدة الصحيحة كي نتحكم في عاداتنا وتقاليدنا، حيث إن الأشياء التي ترجع للدين والعقيدة لم تتغير منذ 70 سنة كما هي مثل موضوع الزواج فلابد من حضور الشيخ والشهود وكتابة العقد.

التغيرات التي طرأت على المجتمع
ودعا للتوثيق معللًا ذلك بأن كل فترة زمنية تحدث تغيرات في العادات والتقاليد وجميع مجالات الحياة، موضحًا أن الدراسات الموجودة لديه تدل على أن التغييرات الاجتماعية في الزواج وجميع الموارد السلوكية يجب أن تكون في أيدينا، وألا نقوم بالتقليد الأعمى لكل ما نشاهده كالقصات والموديلات.

وتحدث الفنان محمد المصلي عن التغيرات التي طرأت على العادات والتقاليد في الزواج بمجتمعنا وأرجع ذلك لحدوث الحرب العالمية الثانية وظهور البترول والتليفزيون في حياة الناس والذين أصبحوا يشاهدون طرق الزواج في البلدان الأخرى فيحاكونها.

رمضان زمان
وتطرّق “المصلي” بالحديث حول ثلاث محاور وهي التأثيرات الاجتماعية، وذكريات شهر رمضان في السابق، ورمضان مدرسة الأجيال، موضحًا أن التأثيرات الاجتماعية قبل التليفزيون والكهرباء ووجود ماء في الديرة قد تغيّرت، مستذكرًا أول دخول للميكروفون في بيت المصلي حيث كان على حجر.

وعن ذلك يقول: “كنا إذا سمعنا صوتنا في الميكروفون كان ذلك شيئًا مهولًا يدعو للفرحة”، مبينًا انتقالهم من بيت المعلم ولبيت من سيف، مشيرًا إلى أن أول بيت يقرأ فيه جزء من القرآن هو بيت المصلي والمعلم.

وفي الاستهلال معظم أهل تاروت يركبون القصر كل واحد يضبط ساعته على وقت غروب، وبعد ثبوت الهلال يبدأ الناس فترة السحور مثل بيت المصلي تسع عوائل تطبخ لهم كل يوم واحدة والبيت فيه أكثر من 22 غرفة، و10 غرف غير مسقوفة بيت ضخم جدًا ويتجمعون في المجلس كل ليلة يقرأون جزأين من القرأن الكريم وبعدها يجيء دور الملا، معقبًا: “كان شهر رمضان مدرسة تعلمنا منها كيف نقرأ”.

الأكلات
ولفت إلى أن الوضع قد تغيّر فبعد أن كانت تقدم معظم الأكلات الشعبية مثل اللقيمات والهريس والعيش والشوربة، وجاءت بعدها البلاليط والمعكرونة والبشميل حيث تغير الآن معظم الناس وأصبحوا لا يأكلون العيش ولا السمك وقال: “ومع التغيرات الاجتماعية تغيرت كذلك طريقة الأكل بعد أن كان الناس قديمًا يأكلون بأيديهم أصبحوا الآن يأكلون بالملعقة وقبل الحرب العالمية الثانية ما كان العيش هو الوجبة الرئيسية بل كان الناس يفطرون ويتغدون على التمر مع أكلات تصنع من التمر بعضها تستخدم الآن كحلويات تستخدم كغذاء رئيسي وأصبحت كل عائلة تستقل بشقة”.

المسحر
وأوضح المصلي أن المسحر يعرف البيوت بيتًا بيتًا، ويمر على الديرة والدشة والوقف، ولايزال موجودًا وعائلة المسحر أبًا عن جد مازالوا لهم نحو 200 سنة، في إحياء المناسبات في شهر رمضان حيث يحيي الأهالي ليلة الكريكشون، ووفاة الإمام علي وليالي القدر، والعيد، مبيّنًا أنه بعد الكهرباء أصبحت ليالي رمضان كلها روحانية يحييها الناس وينتقلون من بيت للآخر والبيوت مفتوحة على بعضها.

التليفزيون
واختتم بقوله: “كنّا نشاهد التليفزيون بأربعة قروش ويشتغل على الموتور وتنتشر الألعاب الشعبية مثل الوصلي، والتيل، في نهار شهر رمضان وتحس أن بيوت الديرة كلها بيت واحد له عدة أبواب وتعلمنا من ليالي رمضان أن نجيد قراءة القرآن والأدعية فكان الذي يغلط في فتحة أو ضمة، يقوم عليه جالسو المجلس وكنا نتحدى ألا نغلط وتعلمنا مقابلة الجمهور، من خلال انتقالنا من بيت لآخر لقراءة القرآن الكريم”.

وتمنى أن يقرأ الأولاد ولو نصف جزء، قائلًا: “كثير من الطلاب يصلون للثانوية وهم لا يستطيعون أن يقرأوا بشكل جيد وبالتالي لن يستطيعوا أن يقرأوا وكذلك تبادل الطبخات ودوام المدارس والأعمال لا تتغير الأوقات والتوجه الروحي له حيوية ونشاط ملحوظ”.




error: المحتوي محمي