ليس فقرًا إنّما افتقار

أنا لا أملك شيئًا في هذه الحياة حتى أصغرها، وحتى أقربها، وحتى ما سعيت أن أكسبه، وحتى ما أنسبه لي بياء الملكية.

ليس فقرًا إنما افتقارًا
أول ما شعرت هذا بشعوري، وليس بفكري، وتأملته بدقة، وبكل غزارة حسية شعورية أحسست تمامًا معنى الافتقار، وأنه عبادة قلبية عميقة المعنى توصل الإنسان إلى بقية مشاعر أساسية قد يكون جاهلًا للطريق الموصل لها حتى لو كان يدركها بعقله، ويؤمن بها في اعتقاده.

كان حينها طفلي الصغير ينام في حضني، وكان شعور الأمومة يغمرني ولكن.. حتى هذا الطفل الخارج مني هو ليس ملكي، وحتى لو كان يربطني به هذا الرابط الذي يعد الأقوى في هذه الحياة.

واقعًا صغيري هو ليس ملكي على الرغم من ضعفه وصغر حجمه وانغماره في حضني فإن دوري الفعلي هو فقط الرعاية والتربية التي أساسها أصلًا راجع لله.

إلى أن قلت حينها، وكيف أملكه أنا حتى نفسي لا أملكها ولا جسدي، ولا حتى أفكاري التي أزعم أنها أفكاري حيث إنه من الطبيعة البشرية أن ننام على فكرة، ونجلس إذا بها تغيرت تمامًا، وكأني لم أكن أنا ذاك الذي بالأمس. وكل هذا راجع له وحده.

كل شيء في يوم ما لن يكون ملكك، ولا تابعًا لك، ولن يكون لك حتى لو شعرت هذا الآن أنت حتى لا تملك شعورك، الذي ربما سيقودك يومًا كطفل صغير لا حول له ولا قوه نحو طرق قد ترفضها أفكارك، وتخالفها معتقداتك قد تبكي حينها بحرقة لشدة افتقارك للحيلة والوسيلة فلن ترجع إلا لله فتتوسله إما أن يخفف ما بك أو ييسر لك السبيل للنجاة.

نحن في حال افتقار إلى مالك الملك
شعور ما إن شعرناه، وعشناه سنتخلى ونتحرر ونستغني، وسنرخي قبضتنا عن الدنيا وأهوائها سنكون كلنا إلى الله وسنفك التعلق في كل الحياة بمن فيها، وسنعيش حقيقة الضعف البشري والافتقار إلى المالك الوحيد (فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ ۖ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ).

فكل شيء يُملَك مالكه الحقيقي هو الله (قُلِ اللَّـهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ، وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ).

والافتقار هو دافع لتزكية النفس والصعود نحو الارتقاء فما إن تعش الافتقار، وتشعره ستقف للصلاة بكل إذلال وخشوع بكل ضعف تفتتحها بالتكبير وإعلان أن الله أكبر من كل شيء وما دونه صغير وتختمها بسجدة الشكر سجدت لله طائعًا خاشعًا ذليلًا مسكينًا مستكينًا، كلما أحسست الافتقار أحسست الضعف وأحسست الخشوع والتذلل.

إن الوصول لكل هذا هو ما يصل بالعبد للتسليم الكامل لله.

أنت مالكي ومالك كل شؤوني سلمت لك وتوكلت عليك.



error: المحتوي محمي