لإنك إنسان «8»

هناك أمور لا نستطيع اختيارها فينا كاختيار لوننا أو عرقنا أو أوطاننا أو حتى شكلنا، لكن نبقى سواسية لا يفرقنا لون أو عرق أو وطن أو شكل إذا كانت الإنسانية توحدنا، وحتى الإسلام رفع التفرقة التي كانت تميز العربي عن العجمي فأفضلنا هو من يكون الأكثر تقوى بيننا.

ومؤسف أن نرى في حياتنا تمييزًا بين بعض الفئات من الناس، قد يقول أحدهم أن العنصرية المقيتة نراها في الدول غير المسلمة فهناك الأشخاص الذين يملكون بشرة سوداء يعانون من الاضطهاد بالحقوق قد يرق قلبك لهم لمدى الظلم الذي يعانون منه.

حتى أن البعض منا يستكثر التعاطف معهم لمجرد أنهم غير مسلمين، ودائرة الإسلام وسلامه لا تخص فقط من هم معتنقون للإسلام فكم لدينا شواهد من التاريخ كان أهل بيت العصمة (ع) لا يفرقون بين مسلم وغير مسلم في التعامل، فوجه الإسلام البراق هو عام وشامل للجميع.

لكن يؤسفني أن أقول إن هناك من يضع نفسه بمرتبة أعلى من الآخرين بمجرد مخالفته بالدين أو المذهب، فمثلًا يعامل العاملين المقيمين معاملة سيئة جدًا وربما يبخسهم حقهم بدون أن يكون لهم حق بالمطالبة بحقهم وكأنهم خدم يعملون تحت عرش مملكته.

ربما ذكرت في مرة سابقة ما ذكره رسول الرحمة (ع) في استقبال الشهر الفضيل وحثه على التخفيف عمن يكونون تحت يد الشخص من العاملين وكيف يهديهم هذا التخفيف للتخفيف من الحساب، ولكني اليوم أعود وأؤكد على هذا الأمر لأمور رأيتها بعيني وسمعتها حصلت مع الأسف ونحن في شهر رمضان.

ربما يختلف الوضع حين يكون لدي عامل أو عاملة يعملان عندي وأنا أخفف أو أشدد عليهم وتكون معاملتي لهم حسنة أو سيئة حسب عملهم، فربما ترى البعض يستشيط غضبًا إذا تهاون العامل في عمله أو أبطأ فيه، ويكون تعامله حسنًا وطيبًا حين يكون عامله يؤدي دوره على أتم وجه، لكن ما بال من لا يرتبط بأحدهم بأي عقد لعمل أو غيره لما يسعى لإيذائه لمجرد كونه مقيمًا من أي دولة أخرى كالهند أو الفلبين أو الأفارقة أو اليمن وغيرهم.

يخبرني أخي عن استيائه لموقف حصل أمامه منذ سنين وكان يومها في شهر الله المبارك الذي يستحسن أن يتصرف فيه الأفراد بكرم وحسن تعامل، يقول أنه رأى شخصًا يقود دراجته النارية وبدون أي سبب يُذكر أو جرم اقترف بحقه حال مروره على أحد العمال الهنود قام بضربه من ورائه!!

وموقف آخر حصل لدينا بمجلس قرائتنا للمولد بهذا الشهر المبارك أيضًا وكانت البركة تحوي بعض الأطعمة مع صينية خشبية معهم، وحال التوزيع الذي يتولى أمره بعض النسوة من الجيران انتبهت على صوت جدال وأن إحدى المستمعات لا تريد البركة، فذهبت لأرى ماذا يجري، واتضح أن إحدى الخادمات التي ترافق إحدى المستمعات الكبيرات بالسن كانت ترفض البركة لأن من كانت توزع لم تعطها ما تم إعطاؤه للجميع، فرفضت أي شيء آخر وحتى حين أعطيتها ما تم إعطاؤه للجميع رفضته وشعرت بالضيق الذي نالها بالتمييز، كانت تتحدث معي بالإنجليزية وحتى أن معظم كلامها لم أفهمه لكني فهمت أن المرأة كانت تعمل على التمييز معها في كل مجلس تذهبه، وربما ما أوجعني أنه كانت الخادمة تقول لها “حرام” وربما هذه الكلمة العربية التي أتقنتها.

حتى لو سعيت لإرضائها بالنهاية لأني أكره أن يحصل شيء من التمييز في مجالس أهل البيت عامة ولدينا خاصة، لكن لا زلت أمتعض من بعض العقليات التي تشعر بأفضليتها على من حكم عليهم الزمان أن يكونوا خدمًا في بلاد غربة، ليكون حقهم هو دون الحق الحقيقي دومًا .

ومجالس أهل البيت ومناسباتهم فرصة لنعكس ما يريده أهل البيت من إظهار جمال الولاية بهم وطيب أخلاقهم، لينجذبوا إليهم ويفكروا في الدخول معهم لساحة ضيافتهم.

حين كنت أدرس في صفوف الجامعة بالأحساء وبأيام المناسبات كنا ندع السائق بالسكن يوصلنا للاستماع بالحسينيات الموجودة هناك، وكان في إحدى المرات ربما رفض أن يوصلنا وكانت المناسبة هي وفاة السيدة أم البنين (ع) وحين طلبت أن يوصلنا للاستماع سألني من هي أم البنين (ع) حيث لم يكن من مذهبنا، لكن وجدت سؤاله فرصة لأعرفه على شخصية تستحق أن يحضر أي أحد في الوجود عزاءها.

حتى السائقون الذين يوصلونني أحيانًا للحسينية بليالي الناصفة مثلًا يستغرب البعض منهم ما يحصل من الزحام والأضواء المنارة في كل مكان فيسألون ماذا لديكم؟

وحين يأتيك السؤال فأعلم أن الله منحك نعمة التعريف بصاحب المناسبة وعظيم قدره عند الله والذي لا بد أن نعرفه بصاحب المناسبة بجميل سلوكنا في ليلته واحترامه فيها.

ونحن بأجواء الشهر الكريم لا ننسى الكريم المولود فيه والذي نفى أي تمييز وعنصرية في كرمه، فالجميع يمكن أن ينال من يد عطائه، فلا فرق بين مسلم وغير مسلم، وبين شيعي أو سني، وبين عربي أو عجمي، أو بين غني وفقير، فهو الذي كان يمر يومًا على جماعة من المساكين الذين لا يوجد لديهم إلا كسرات من الخبز ولأن الجود بالموجود عزموه ليشاركهم فلم يرفض ولم يقل أنا أرفع منهم وأنا إمام وليس قدري هذه الكسرات، بل بالعكس شاركهم وآنسهم بوجوده ولاطفهم بالحديث، وحين هم بالذهاب دعاهم أيضًا لينالوا شرف ضيافة.

وقل لي بربك أكان يرجع مسكينًا من ينال ضيافة من يد الحسن كريم أهل البيت (ع)؟.

ففي يومك الرابع عشر يا شهر الله الذي يحتفل في ليله بميلاد الكريم لا زلت أسأل هل أنا في سُفرة من كرم ضيافته أم في سَفرة عنها؟



error: المحتوي محمي