لأنك إنسان «7»

في مرحلة من مراحل حياتنا نكتسب معارفنا وسلوكنا بتقليد والدينا أو من هم حولنا، وقد يرسم التقليد صورة لعادات سليمة أو خاطئة لتشكل جميعها معنى من التربية، فمن اعتاد أن يرى والديه منشغلين عن الصلاة ولا يؤديانها في وقتها فمن الطبيعي أن يكتسب تلقائيًا منهم هذا التهاون والتأخير.

لهذا قد نرى بعض الأطفال يصححون للبعض حين تصدر منهم كلمة غير لائقة إذا تعلموا وتربوا على عدم قولها، لأن عقله يقبل السليم لكن نطاق التأثير من الوالدين ربما يخف مع كثرة المؤثرين في الخارج فالآن التربية لا تكون من الوالدين فقط، فالمدرسة والشارع والأصدقاء والبيئة المحيطة جميعهم لهم يد في التربية.

فلنضرب الحياء كمثال هو صفة قد نراها متجلية في بنات حواء أكثر لطبيعتهنّ الغالب عليها الخجل والحياء، لكن حين يتم فسخ مظاهر الحياء لدى أفراد كثر في مجتمع ما تجد الأغلب يقلدهم وكأنه حشر مع الناس عيد، مقاومين فيه قانونًا للطبيعة.

ومع الأسف قد نجد الآية منقلبة في زماننا، فالزمن الذي كانت تخجل الفتاة أن يتم تصويرها من أي شخص غريب، باتت الآن لا تمانع وربما هي من أصبحت تضع الصور سبيلًا للناظرين، وفي المقابل نجد بعض أبناء آدم يخجلون من تصويرهم.

أثار غرابتي منذ أيام حين ذهبت لتغطية أحد المهرجانات بالمنطقة وكنت أريد عمل مقابلة مع أحدهم والتقاط صورة لركنه، وكان يرفض أن يتم تصوير ركنه من بعيد ليظهر كاملًا بحيث لا تظهر منتجاته بوضوح، وحين أردت تصويره بالركن اختبأ لكيلا يظهر في الصورة!!

في العادة نستأذن بنات حواء حال التقاط صورة لهنّ ونحترم من لا تفضل ذلك حياءً من الظهور، ولكن آدم حتى لو استأذنا منه مسبقًا يظل السؤال ما سبب خجله من التصوير؟!.

لدي ابن أخ كان في صغره لا يحب التصوير وربما يغضب مني إذا اكتشف أني أقوم بتصويره، لكن حين كنت أجلس معهم أحيانًا ونستعرض صورهم وهم أصغر كان يفرح بصوره وكنت أريه كيف الصور التي يكون فيها مبتسمًا جميلة بعكس تلك التي يكون فيها غاضبًا أو حزينًا، إلى أن اقتنع أن صور الذكريات جميلة، والآن هو أكثر مستعرض بالصور حال تصويره وبنفسه يكوّن وضعية جميلة صالحة للتصوير والطباعة حالًا.

ربما هناك من يخجل من الجنس الآخر وهذا ليس أمرًا مذمومًا أبدًا وبالطبع هناك من يخجلون من التقاط الصور لهم حتى بالصور الجماعية يرفضون تكوين ذكرى جميلة بمناسبات قد لا تتكرر.

ويبقى الخجل والحياء ملكة إذا كانت لدينا فنحتاج المحافظة عليها فهي مفتاح لمنعنا عن ارتكاب كل سيء، فقد ورد عن الإمام علي (ع) قوله: “حسب المرء من حيائه ألا يلقي أحدًا بما يكره”.

فإذا كنا نخجل ونستحي من الله فلا نتجرأ على المجاهرة بالمعاصي أمام الجميع لأن الله يكره ذلك، وإذا كنا نستحي من شخص فلن يصدر منا شيء يزعجه، فلنضرب مثالًا لتوضيح صورته حين نذهب لمرجع من المراجع أو لعالم دين كبير ربما نتخذ الاحتياطات المشددة بعدم صدور أي شيء يخجلنا أمامه كأن يرن هاتفنا وهو يحمل بعضًا من الموسيقى أو الأغاني، ولا نستطيع الكلام أمامه وقطع كلامه، ولا نستطيع حتى الضحك دون الخجل أمام هيبته.

فكيف بنا بمناسبات أهل البيت (ع) لا نخجل حين تصدر منا تصرفات غير لائقة في يومهم الذي لا يغيب بالطبع عنهم، وترى مظاهر لا تمثلنا بشيء سوى أنها صدرت من أناس منتمية لأهل الولاء.

فهل هكذا سنفعل واقعًا لو كان أمير المؤمنين(ع) وكانت الزهراء (ع) حاضرين ونراهما رأي العين أكنا نجلب الآلات الموسيقية ونعمل ما لا يليق في يوم ميلاد أول سبط لهما دون خجل منهما لإفساد ميلاده بجهلنا؟

رسولنا الكريم (ع) يقول: “إن لكل دين خلقًا، وإن خلق الإسلام الحياء”.

فما قيمة الإنسان إذا كان بلا حياء وفي النتيجة بلا دين؟

في شهر رمضان المبارك الذي يحق لنا الخجل والحياء من عطايا الرب لنا فيه ومقابلتها بالهجر والتضييع وربما الأدهى بالعصيان، هو شهر يحق لنا أن نستحي ليجعلنا نتوقف عن ذنب ربما هو من يوقف رزقنا من الأرض والسماء.

فيا شهر الله المسرع في خطاه، في يومك الثالث عشر الذي نقترب فيه من انتصافك لا زلت أسأل هل أنا في سُفرة من الحياء منك أم في سَفرة عنه؟



error: المحتوي محمي