وجوه في «حرفيون 2».. من عنك.. لـ حوراء آل مشهد وعائلتها حكاية مع الخبز .. قصة حرفية لامست التاوة طفلةً لم تتجاوز التاسعة

نشأت في بيتٍ عنكيّ لإشراق الفجرية فيه رائحة مختلفة، فقد كانت جدتها وأمها وعماتها وأخواتها يخبزن خبز التاوة المالح والحلو منه، خبزٌ يمتدُّ منذ صباحهم الباكر إلى العصرية، حيث يبيعونه في سوق اللحم القديمة في مدينة القطيف وبلدة الجش من قبل حرب الخليج بل بما يفوق الـ50 عامًا، فكانت عائلتها من أوائل من سبقوا خبازي التاوة من أهل القطيف، ثم ظهرَ من بعدهم من ظهر من الخبازين.

حوراء إبراهيم عيسى آل مشهد اعتادت أن تلتف حول والدتها مدهوشة بهذا العمل وهي في عمر التاسعة، والحماس يملأ روحها ويحرك يديها الصغيرتين كي تجيد خبز التاوة كما تفعل والدتها، وقد كانت والدتها تشجيعًا لها تترك جزءًا يسيرًا من العجينة لها في آخر الوعاء للتجربة، ومرة تفشل، وأخرى لا تضبط، ومرات لم تنجح، لكنها بالتكرار أجادت وأبدعت حتى أصبحت أستاذة في مجالها تعطي دورات تدريبية لكل من تريد أن تزيّن مائدتها الرمضانية وغيرها بتاوتها الخاصة ورائحتها المميّزة.

شهر الرحمة
تشارك آل مشهد «القطيف اليوم» الأجواء الخاصة التي كانت تعيشها مع أسرتها في شهر رمضان فتقول: هل كانت أجواء ممتعة؟ إنها فوق الممتعة رغم تعبها وصعوباتها، فقد كانوا قديمًا يخبزون على الحطب وهذا أمر شاق نوعًا ما، ولأنّ العوائل كانت كبيرة والبيت فيه أكثر من عائلة، فقد كان الخبز يتم بالتناوب بين نساء العائلة طوال شهر رمضان المبارك، فكنّ يخبزن ويوزّعن على الأهل والأصدقاء والأحباب، لكن الأجواء ما عادت كما كانت فكلٌّ يخبز في بيته بعد أن تفرقت البيوت عن بعضها، بل إنّ قلة من الناس من تخبز أيضًا، وذلك لتوفّر الخبز في الأسواق والسوبر ماركت.

فنانة بالتجربة
لن تستمتع بخبز التاوة ومذاقها المميّز إلا بعد أن تكون تلك العجينة قد وقعت في يد فنانة في إعداد العجينة وخبزها، وآل مشهد تهتم بتاوتها اهتمامًا كبيرًا تبدأها بعجن الطحين مع السكر والماء، وهي تفضل طحين الدقيق القصيمي وبعده الإماراتي وبعده السعودي، ثم تترك العجينة لترتاح، وبعدها تبدأ العمل عليها بمسح الصاجة بالزيت، وفرد العجينة عليها، مع سحت العجين الزائد من فوقه بالمعكة (سكليبر)، ولف الخبز بأي شكل مرغوب كالمثلث أو المربع أو الأسطواني، وتتجنب في إعداد العجينة وضع الحليب أو البيض أو الزيت لأن البعض يتحسس منه.

تمتع بكل النكهات
من بين يدي آل مشهد ستأكل مستمتعًا سواءً أكنت كبيرًا أم صغيرًا خبزًا حلوًا أو الخبز المالح المستخدم في إعداد الثريد وخاصة مع سفرة رمضان المبارك، حيث لا تزدان السفرة ولا تكتمل عند بعض العوائل إلا به، إضافة لخبز الزعفران والقرفة والهيل، إضافة لاستخدامها الحشوات المتعددة لمحبي ذلك كالجبن والزعتر والبيض واللبنة والنوتيلا والعسل والفول السوداني وخلطة البيتزا والجبن وشبس عمان والجبن بالزعتر وجميع النكهات، وهي أول من أعدت خبز التاوة بالبيتزا على حد قولها، ويكثر الطلب دائمًا لديها على الجبن والنوتيلا والبيتزا والجبن بالشبس.

الخفة مهارة
يستغرق العجين لإعداده ربع ساعة تقريبًا، ولكن خبزه يختلف من يدٍ إلى يدٍ أخرى حسب خِفّتها، فالممارسة المستمرة كما تقول ابنة عنك تجعل العمل خفيفًا والخبز كذلك، أما البعض فالخبز لديه يكون ثقيلًا، ولكل خباز قدراته ومهاراته، كما أن التطوير من العمل مهمٌ جدًا، وذلك يُقاس على جميع الأعمال، ومن هنا لجأت إلى استخدام الألوان الطبيعية، وعملت خبزًا ملونًا بالنكهات لمن يرغب كما عملت خبز التاوة الملفوف صغارًا وخبز الأقلام كما يسمى أيضًا، وهي في ذلك أيضًا سبقت غيرها من الخبازات كما تقول، حيث طلبت منها ابنة عمها التي تعمل في جازان أن تصنع لها لفائف صغيرة من التاوة، فحاولت صنعه أول مرة بالعصاة ونجحت في التجربة، ثم حاولت أن تعمله دون العصاة فنجحت في ذلك، وبعدها أصبحت الخبّازات يحذون حذوها في إعداده.

سف وطبخ وتاوة
تمارس آل مشهد خريجة الثانوية العامة في أوقات فراغها هواية سف الخوص والطبخ، وفي غير ذلك فهي تخبز للمآتم خاصة في شهر محرم وصفر والموالد وأعياد الميلاد ولشهر رمضان الذي يكثر فيه الطلب أيضًا، وأصبحت تطلع خارجيًا أيضًا عند الطلب، ورغم صعوبة العمل من الجلوس الدائم وحرارة التاوة إلا أنها تزاول عملها بكل حب، وترتاح كثيرًا حينما تأتيها الطلبيات لأنه عملها ومهنتها ومصدر رزقها الذي تسأل الله أن يبارك فيه وأن يرزقها الصحة والعافية وتبقى مواصلة فيه.

وللرجال نصيب
وترى أنّ صعوبة الحياة ومصادر الرزق قد دفعت الرجال لخبز التاوة ومنافسة النساء، وخاصة لمن يتمتعون بالمهارة والإمكانية اللازمة، وقد شاركت آل مشهد في الكثير من المهرجانات، كمهرجانات سيهات، وواحتنا فرحانة، والدوخلة، والوفاء ومعرض صنعتي القطيف، ومهرجانات تاروت، ومهرجانات المدارس والجامعات والمستشفيات والمعارض الكثيرة، ومجمع الظهران، وسفاري بقيق، ومهرجان العضيلية أرامكو، وفعاليات الأندية ووزارة الزراعة والأمانة العامة في الدمام والكثير من المهرجانات والفعاليات، إضافة إلى قيامها بإعطاء الدورات التدريبية في جمعية سيهات، وجمعية القطيف، ومركز الشموع، وفي منزلها كذلك، وأكثر اللواتي أعطتهن دورات أتقننها وأصبحن يتفننّ في خبز التاوة والاستمتاع بطعمه اللذيذ.

في “حرفيون 2”
وشاركت آل مشهد مؤخرًا في فعالية “حرفيون 2” التي نظّمها مكتب الضمان الاجتماعي بمحافظة القطيف، بالشراكة مع بلدية المحافظة، وجمعية التنمية الأهلية بالمحافظة، في حديقة الناصرة بمحافظة القطيف، والتي انطلقت يوم الأحد 4 رمضان 1444هـ، واستمرت 10 أيام.


من ركن آل مشهد للخوصيات في “حرفيون 2”


error: المحتوي محمي