لأنك إنسان «5»

في أول ما تتم ولادة أغلب الأطفال تكون أيديهم الصغيرة مقبوضة الأصابع، وربما قد يأتي التعبير عن أحدهم بأنه متمسك بالحياة لشدة قبضه.

لكن جميعنا قد نتمسك بالحياة حتى أجسادنا أودعت نظامًا عجيبًا للمحافظة على حياة هذا الجسد والدفاع عنه حتى لو كان الهجوم عليه آتيًا من الشخص نفسه وإصراره على إيذاء نفسه لظنه أن قليلًا من الأذى لا يضر جسمًا وهو لا يعلم أنه يعجّل في تقريب تاريخ انتهاء صلاحيته!.

قد نحب أجسامنا ونعمل على تدليلها بما لذ وطاب وتلبية رغباتها في أي وقت شاءت وبأي كمية أرادت، ولكن هل هذا دلال حقًا؟

حين نعلم أن بعض الأطعمة بمنزلة السم الذي يسري تأثيره على نظام أجسامنا وإن كان ظهوره على المدى الطويل.

في الواقع لو أراد أحدهم رمي نفسه من شاهق أو أراد الوقوف أمام السيارات المسرعة في الطريق، فهو حتى لو وصل لحالة من الاكتئاب مثلًا جرته لقرار الانتحار مثلًا فأنا أجزم أن هناك ولو ثواني توقفه من المضي في قتل نفسه والتجرؤ على إلقائها في التهلكة لأن هناك غريزة فينا تحب الحياة وتخاف الموت.

لكننا نتجرأ ونرمي بها في الطرق غير المباشرة للتهلكة، ولا ينحصر الهلاك في هلاك الجسد المادي ومرضه وتعطل بعض أجهزته، لكن ربما يطال الهلاك أرواحنا حين نبعدها عما فيه أكسجين حياتها، حيث حياتها تنتعش بذكر ربها، فنمضي بأقدامنا أحيانًا لأماكن تزعجها ليس بالأصوات الصاخبة فقط بل بكل مكان يحوي سلوكيات تؤثر عليها وتجعلها ضعيفة عن مقاومتها مجاراة لحياة آخرين احتضرت فيهم أرواحهم ولا زالوا يوسمون بوصف قيد الحياة!

الحياة جميلة إذا استشعرنا جمال الله فيها وجمال حكمة ما يصنع في حياتنا حتى لو كانت مليئة بالمصاعب حين نثق أن الله لا يصدر منه إلا الجميل والصالح لعبده، وحتى الموت الذي نخافه لجهلنا برحمة الله فيه هو جميل كذلك إذا غيرنا صورة الموت المرعبة بصورة ولادة جديدة في بيت جديد وفي عالم آخر جديد، حيث عملنا ما نستطيع لتأثيث ذاك البيت وزرعنا الأشجار المثمرة في ذلك العالم، لنضمن أننا سنكون في مصاف الأحياء بالنعيم فيه لا الأموات بالعذاب داخله.

نحن نحب الحياة بالدنيا لأننا عشنا فيها وتعلقنا بما فيها من بشر وموجودات وربما حتى الجمادات ينالها شيء من تعلقنا مثل منازلنا.

ونخشى الموت ليس فقط لأننا لا زلنا غير مستعدين لقطع تعلقاتنا بالدنيا ولم نحرز أعمالًا تؤهلنا لاجتياز عقبات ما بعد الموت، لأن هناك من يكون حاصلًا على مؤهلات السعادة في الدارين ومع هذا يقول أنا أخاف الموت كما قالت مولاتنا خديجة (ع) حين أرادت أن تمضي للموت مع شيء من أنس رسول الله (ع) حين أوصت أن تدفن بشيء من ثيابه لخوفها من الموت.

هذا فضلًا عما كان يتأوه لأجله أمير المؤمنين (ع) وهو مولى المتقين وسيدهم حين كان يقول آه من قلة الزاد، وطول الطريق، وبعد السفر، أمثل علي يتأوه لقلة زاده للآخرة؟

وربما هذا الدرس العظيم الذي نحتاج تعلمه فمهما عملنا من أعمال لا بد أن يكون شأن المؤمن فيها بين خوف ورجاء ويرجح خوفه على رجائه ليحتاط ويعمل ما في وسعه لعله يصل لدرب السلام والنجاة.

وفي شهر رمضان الكريم ما أكثر الهدايا الربانية التي تفتح لنا أبوابًا للجنان بجهد قليل ووقت مستقطع قصير في يومنا، و أفضلها إعلان التوبة للتهيؤ للدخول لليالي الجوائز الكبرى في ليلة القدر ولا نجد معينًا لنا في دخولها إلا من كانت معرفتها سبيلًا لإدراك ليلة القدر العظيمة.

ففي يومك الحادي عشر يا شهر الله أسألك بدموع زهرائنا على موت أمها خديجة (ع) لا زلت على سؤالي إياك هل أنا في سُفرة في الحياة بحبك، أم في سَفرة بالموت عنك؟



error: المحتوي محمي