وجوه في «حرفيون 2».. من القطيف.. لوحات مطرزة بـ يد آدم.. شاكر الزاير استعار الطارة والخيوط من حواء ونافسها في حرفتها

إذا تجوّلت بين أركان فعالية”حرفيون 2″ المقام في حديقة الناصرة بالقطيف، فإنّ عينيك بلا شك توقفتا متسمرتين أمام تلك اللوحات المطرزة بكل إتقانٍ وشغفٍ وحب وبألوان متمازجة تسر الناظرين، ولابد أنك فغرت فاك مدهوشًا أنّ وراء هذه التطريزات المذهلة يدٌ ليس لها ارتباط بعالم الإناث، فالمطرزاتي شاكر مهدي طه الزاير حرفيٌّ غرّد خارج سربه من الرجال، فنسج وحاك وطرّز كما تفعل النساء، بعد أن أخذ هذه البراعة من زوجته الراحلة؛ ومن غرزة السلسلة البسيطة تتابعت الغرز وتكاثرت اللوحات وغدت لوحات بمفارش متقنة تسترعي انتباه كل من يشاهدها ويعلم بأنّ وراءها أول رجل قطيفي، ورُبّما سعودي يمارسُ هذا الفن، وينافس نون النسوة فيه.

خالف المألوف
دخل موظف أرامكو المتقاعد، والمتفرغ حاليًا عالم منافسة المطرزات النسائية اليدوية قبل 10سنوات فخالف المألوف، واستمر راغبًا، ومحبًا لهذهِ الهواية التي تحدث عنها لـ «القطيف اليوم» قائلًا: “عشرة أعوامٍ جمعتني بالطارة، والإبرة، والمقص، وخيوط الـ dmc، حيثُ دخلتُ عالم التطريز مازحًا مع زوجتي البارعة فيه؛ لكنني علقتُ بهذا العالم، وأحببتُ كلّ ما فيه، وأصبح هواية من هواياتي الكثيرة التي تملأ يومي بأكملهِ؛ فيمرّ دون أن أشعرَ به.

وأضاف: هذهِ الهواية بعيدة كلّ البُعد عن عالم الرجال، وميولهم، وحرفهم، وصنْعاتهم، لكنّ الإبداع في كل شيء ليس حصرًا على جنس دون آخر؛ فالشغفُ بأية مهنة يولّد الاختلاف، والتميّز.

ميلٌ لعزوف
لم تمنع الزاير وظيفته في شركة أرامكو السعودية من الاستمتاع بممارسة هواياته الخمس، من جمع المقتنيات التراثية، وجمع العملات الورقية، والمعدنية، وجمع الطوابع، واقتناء ألعاب الأطفال القديمة التراثية، وأخيرًا التطريز.

وقد بدأ هوايتهُ في جمع العملات من بداية السبعينيات، واستطاع أن يمتلك الكثير من العملات القديمة؛ التي يعود أقدمها لما يقارب القرن من الزمن، وبعضها يعود لعهد الدولة العثماني، كما اهتم بهواية جمع طوابع الدول العربية فقط التي اشتهرت عند الناس في فترة الستينيات، وعندهُ عددٌ هائلٌ منها، وبقي محتفظًا بهذه الهواية رغم عزوف الناس عنها.

تحديد مسار
من يتأمل لوحات الزاير التطريزية يجد ذلك الإتقان المُتعِب في إنجاز اللوحة، لكنّ الزاير لا يستشعر هذهِ الصعوبة التي يتخيلها الرائي للوحاته، فهذا الإتقان برمّتهِ لا يتطلّب منه سوى النظر إلى الرسمة نظرة فاحصة دقيقة، وتحديد مسار عمل التطريز، ثم يسأل نفسهُ مصارحًا: هل أجيد عملها أم لا؟، بعد ذلك يقرّر ما يراهُ مناسبًا، ثُمّ وللمحافظة على قطعة التطريز، فإنّهُ يضعها في إطار زجاجي؛ ليكسبها جمالًا، وروعة فوق جمالها.

90 تطريزة
يتفاوت جهد العمل، ومدة الإنجاز في لوحاته بحسب شكل، وحجم التطريزة التي ينسخها للعمل عليها، وغالبًا يستغرق وقتًا من 10 أيام إلى 15يومًا متقطّع الأوقات، وقد أنجز الزاير في فترة الجائحة ما يزيد عن 30 تطريزة إرشادية تتعلق بجائحة كورونا، بينما بلغ العدد الكلي للمطرزات التي أنجزها تقريبًا 90 قطعة، وجزءٌ قليل منها تم توزيعه دون مقابل مادي.

فنٌ لا يُباع
يشارك الزاير بلوحاتهِ التطريزية الفنّانة في مهرجانات المنطقة دون مقابل مادي، وكان مهرجان “واحتنا فرحانة” أول المهرجانات التي شاركَ فيها بعددٍ محدود من التطريزات من زخارف، وورود، وشخصيات كرتونية مثل ميكي موس، وغيرها، وجميع هذهِ القطع الفنية التي أنجزها الزاير هي هواية تستهويه فقط، وليست للبيع، وهو لا يمتلك أي معرض للعملات أو المقتنيات التراثية وإنّما يكتفي بالمشاركة بها في المهرجانات المحلية، لكنّهُ في طور إنشاء مكان تحت التأسيس خاص بلوحات التطريز، وذلك بتشجيعٍ من الفنان التشكيلي عبد العظيم الضامن الذي اطلع على ذلك، وفي نيتهِ أن يجعله من ضمن مسار السياحة في المنطقة.

لتلك الراحلة الرحمة
يفخر الزاير بأنهُ الرجل الوحيد في محافظة القطيف الذي يعملُ في فن التطريز، ويمكن أن يكون على مستوى المملكة العربية السعودية، وقد استطاعَ بهذهِ المهنة أن يُبهر النساء قبل الرجال ببراعة إبرتهِ التي خالف بها المعتاد، ووجد في التطريز عالمهُ الممتع جدًا الذي يربطهُ بثقافتنا المحلية وأحداث المجتمع، والأهم من ذلك كله دعوات بالرحمة، والمغفرة لتلك الشريكة الفنانة الراحلة التي أولجتهُ لهذا العالم الجميل المتجدّد بأفكارهِ، وابتكاراته.

ويشارك الزاير في فعالية “حرفيون 2” التي ينظّمها مكتب الضمان الاجتماعي بمحافظة القطيف، بالشراكة مع بلدية المحافظة، وجمعية التنمية الأهلية بالمحافظة، في حديقة الناصرة بمحافظة القطيف، والتي انطلقت يوم الأحد 4 رمضان 1444 هـ، وتستمر على مدى 10 أيام.




error: المحتوي محمي