وجوه في «حرفيون 2».. من التوبي.. آخر تنّاكِي القطيف.. محمد العسيف لازم الجنادرية 20 عامًا.. ولفت أنظار العالم في مونديال قطر

إنّهُ من ينطبق عليه المثل القائل “بين المطرقة والسَّنْدان”، لكن بحالٍ يخالف المثل تمامًا، فعندما تمر أمامه تسمع صوت المطرقة وتتأمل السندان أسفلها، فلا ترى شرًا، بل يعلو ذلك المنظر وجه تترجم ملاحمه علاقة ليست بالعادية بينه وبين مطرقته وسندانه، فهي بين يديه بأصواتها كأهازيج نهّام ما إن يرتفع لحنها حتى تنخمد أوتار زمننا الحالي، ليتمثل أمامنا موروث قديم من “مناقل، ودرامات أرز، وصناديق” يمتلئ بها ركن محمد عبدالله حسن العسيف في فعالية “حرفيون 2”.

بعد الثانوية
تحدث ابن التوبي العسيف مع «القطيف اليوم» عن مهنته “التنّاك” في القطيف قائلًا: “عملتُ مع والدي في مهنة “التناكة” منذ أن كان عمري عشر سنوات، ولم أنفصل عنها حتى يومنا هذا، لكنّ ممارستي الجدية لهذه الحرفة، بل واتخاذها مصدر رزق ومعيشة لي كان بعد تخرجي في الثانوية العامة، وذلك لأنني لم أتمكن من دخول الجامعة فكان خياري أن أمتهن هذه المهنة، وأن تكون باب رزقي وسعيي في الحياة، إلى أن وجدت عملًا في إحدى المؤسسات، ولكن لم يقطع ذلك العمل حبل الصلة بيني وبين التناكة”.

وأضاف أن مهنة التناكة إرث قديم وثمين، يعود إلى ما يقارب الـ100 سنة، وهذه المهنة هي امتداد إلى مهنة الصفّار أو النحّاس.

التناكة!
يجلس العسيف في زاويته الخاصة بالمهرجان؛ ليشرح للزائرين مهنته التي يعتز بها، مبيّنًا أن التنّاك حرفة تطلق على من يعمل النحاس، فقد كانت تنكات الزيت قديمًا تأتي من الخارج، وبعد تفريغها من الزيت يتم رميها، فبدأ بعض الصفارين باستخدام هذه التنكات الفارغة، بقصها وفردها وتنظيفها وإعادة العمل بها، وهو ما يسمى الآن بـ”تدوير المواد”، ومن هنا جاء اسم “التناك”، وبعد مرور الزمن أصبحت التنكات تأتي على شكل صفائح جاهزة للاستخدام.

سفرٌ ومنافعُ أخرى
ينتج العسيف من مهنته الكثير من الاحتياجات التي كان الناس يحتاجونها قديمًا ومازالوا، ومن تلك المنتوجات الصناديق التي منها للسفر ومنها للزواج، وكذلك مناقل الفحم، وبيب الجاز، وطشوت الغسيل، وطشوت الحلوى، ودرامات الأرز وتنكي الماء “خزان الماء”، و”البروة” وهو حافظة دائرية لحفظ الأوراق والصكوك والمستندات المهمة، وغيرها الكثير من المنتجات المتنوعة، مستخدمًا في ذلك كله المقص والمطرقة والسندان والفرجار وغيرها.

الصفار والتناك
وأوضح العسيف أنّ هناك اختلافًا بين مهنة الصفار ومهنة التناك، فمهنة الصفار تعتمد على مادة الصفر أو النحاس ومنها اشتق مسمى الصفار، ويتجلّى عمله -أي الصفار- في صناعة دلال القهوة بأنواعها، وصنع المصبات بأنواعها والقدور والأباريق والأواني النحاسية، والمساخن وهي التي يوضع فيها الماء وتوضع على النار؛ لتسخين الماء، بالإضافة إلى تنظيف القدور ودلال القهوة وتبييضها.

لا مواد
عانى العسيف من صعوبات مهنته شأنه شأن التنّاكين أمثاله، فقديمًا لم تكن المواد الخام اللازمة لمهنته متوفرة، لأنهم كانوا يعتمدون في عملهم على تنكات الزيت التي قد لا يجدون السُّمك المناسب منها لمنتوجاتهم المختلفة التي يعملون عليها، إضافة إلى صعوبة تنظيفها؛ لكونها مليئة بالزيت، كما أن رقة بعض التنكات المستخدمة كانت تسبب الجروح للتنّاكين أثناء عملهم، لكنهم رغم ذلك العمل كانوا يجدون الإقبال من الناس على شراء منتجاتهم، خاصة أنها لم تكن مكلفة الصنع على التنّاكين؛ وبالتالي فإن أسعارها كانت في متناول الجميع، في حين أن هذه المهنة لم تعد تلقى رواجًا وإقبالًا من الناس؛ نظرًا لتوفر بديلها في السوق من المنتجات الحديثة بأشكال مختلفة وجودة أعلى وسعر أقل.

لا “تنّاكون” في القطيف
يتأسف العسيف على هذه المهنة القديمة التي لم يعد يشاطره أحدٌ فيها في منطقة القطيف سوى التنّاك علي عبدالله القطري، ذلك أنهّا وإن بقيت بين يديهما فإنها لم تعد قادرة لكي تكون مصدر دخل ورزقٍ لصاحبها بعد القفزة الحضارية التي أغنت عنها وعن منتجاتها، لكنها أصبحت هواية يتمسك بها صاحبها كتمسكه بالتراث والأصالة، أو يعرضها من خلال مشاركاته في المهرجانات والمناسبات، أو يلبي فيها طلب عزيزٍ عليه من ذويه أو أصحابه.

مونديال قطر و20 للجنادرية
شارك العسيف في الكثير من المهرجانات والمناسبات محليًا وداخل المملكة وخارجها، فمهرجان الجنادرية شهد له بـ20 مشاركة حتى توقف المهرجان مؤخرًا، كما استوقف زوار دولة قطر خلال مشاركته ضمن فعاليات كتارا المصاحبة لكأس العالم “FIFA قطر 2022م”، وأخيرًا فـ العسيف ضمن المشاركين في فعالية “حرفيون 2” في حديقة الناصرة بمحافظة القطيف والتي ينظّمها مكتب الضمان الاجتماعي بمحافظة القطيف، بالشراكة مع بلدية المحافظة، وجمعية التنمية الأهلية بالمحافظة، على مدى 10 أيام انطلقت من يوم الأحد 4 رمضان 1444هـ.




error: المحتوي محمي