وجوه من «حرفيون 2».. من القطيف.. ضحى أخضر أنموذج للمرأة الحرفية.. استبدلت شهادتَي الإعلام والإنجليزية بـ«المكرميات»

بعد أن وقفت أمام 24 مستفيدة من الضمان الاجتماعي على مدى 5 أيام، وهي تدرّبهن على نسج المكرميات، عادت ضحى عبدالغني أخضر مجددًا لتكون واحدة ضمن الحرفيات المشاركات في فعالية “حرفيون 2” التي ينظّمها مكتب الضمان الاجتماعي بمحافظة القطيف، بالشراكة مع بلدية المحافظة، وجمعية التنمية الأهلية بالمحافظة، في حديقة الناصرة بمحافظة القطيف، والتي انطلقت يوم الأحد 4 رمضان 1444هـ، وتستمر على مدى 10 أيام، مستعرضةً أمام زوار الفعالية كيف تحوّل بأناملها فقط خيوطًا منسدلة إلى قطع فنية، تتنوع بين تحف تعلّقها في منزلك، وأخرى تقدمها كهدية، وثالثة تنتفع بها ما بين حقيبة وحذاء وإسوارة وغيرها.

“ضحى” واحدة من بنات حواء اللاتي أكدن على أن الحرفة في يد من تتقنها قد تغني صاحبتها عن الوظيفة إذا لم يكن لها نصيب في مزاولة عمل يشبه مسارها الأكاديمي، فهي تحمل شهادة في العلاقات العامة والإعلام، وأخرى في اللغة الإنجليزية من كندا، لكنها لا تمارس اليوم أي مهنة تتعلق بشهادتيها، بل أصبحت اسمًا بارزًا في القطيف بصناعة “المكرميات” والتدريب على تعليمها.

البداية.. خليط عالمي
في عام 2015م سافرت “أخضر” إلى كندا لتلتحق بأحد المعاهد لدراسة اللغة الإنجليزية هناك، ولأنها اعتادت السكن مع عوائل في سفرها للدراسة، فقد سكنت في سفرتها تلك مع عائلة مكسيكية، وكانت صناعة المكرميات حرفتهم، وهناك تعرفت على ربة تلك العائلة، وهي سيدة تدعى “كارن”، كانت تمضي أغلب وقتها برفقة خيوطها مستمتعةً بما تنتجه.

علاقة الحب التي ربطت “كارن” بخيوطها، جذبت ضحى كثيرًا، حتى عرضت عليها صاحبة السكن أن تعلمها تلك الحرفة، وهنا كانت البذرة الأولى لحكاية العلاقة التي بدأت بينها وبين المكرميات، فقد تعلقت بها كهواية، واتخذتها كتسلية لا تعيقها عن دراستها.

تقول “أخضر” لـ«القطيف اليوم»: “بعد أن تعلمت الغرز الأساسية، بدأت العمل كهواية أعود لها كلما كان لدي وقت فراغ، وأمضيت سنتين وأنا أحرص على تعلم جميع الغرز، والحمد لله بعد ذلك أصبحت متمكنة من هذا الفن بعدما تدربت على بدايات صحيحة، استطعت بعدها أن أنقلها للأخريات الراغبات في تعلمها”.

الصدفة مجددًا.. من الهواية إلى التجارة
عادت إلى موطنها تبحث عن وظيفة تناسبها، وتملأ وقت فراغها، أما صديقاتها “المكرميات” فكانت ضيوف تسلية تصافحها كلما ضجرت، حتى جاءت جائحة كورونا وحولت زياراتها لها كضيوف، إلى مقيم دائم بين يديها، خصوصًا بعد موت والدها -رحمه الله- في تلك الفترة.

تحكي حكايتها تلك قائلة: “اعتدت أن أسامر خيوطي وتسامرني كلما شعرت بملل أو وقت فراغ، إلا أنني بعد أن توفي والدي عقدت معها علاقة صحبة دائمة، فأنا كنت متعلقةً جدًا بأبي -رحمه الله-، وفقده جعلني أشعر بحزن كبير، ولأن الظروف وقتها كانت تلزمنا بالحجر المنزلي، لم أجد سبيلًا لتخطي حزني وملء وقتي غير خيوطي، وبدأت في توطيد العلاقة بيني وبينها، محاولةً أن أتقنها بشكل أكبر، حتى كان لي ما أردت”.

وتضيف: “أنا في الحقيقة لم أمارس صناعة المكرميات ممارسة تامة؛ فلم أكن أعرف جميع الغرز، إنما أشياء بسيطة مثل الغرز الأساسية الرئيسية، والغرزة المربعة فقط، وكم غرزة تابعة لها، وحينها كنت أعد الأمر مجرد تسلية ولم أفكر في بيع منتجاتي، لكن كثرة طلبات من حولي من الأهل والصديقات والجيران جعلني أقرر أن أبدأ مشروعي”.

قطع تسوّق نفسها
تعد “أخضر” قطعها هي المسوق الأساسي لعملها؛ فهي لم تعتمد على جهة أو أشخاص محددين للتسويق لها، بل منتجاتها هي من فعلت ذلك، توضح ذلك بقولها: “حين كنت أقدم بعض قطعي كهدايا للصديقات يبدأن بعرضها على أهاليهن وصديقاتهن، لأتفاجأ بعدها أن معارفهن يتواصلن معي للطلب مني”.

مكرمياتها تسافر خارج خريطة الوطن
بدأت مكرميات ابنة القطيف تسافر إلى أبعد من حدود المحافظة، بل إلى أبعد من حدود المملكة، حيث خلق ذلك داخلها إصرارًا على أن تبدع أكثر فيما تصنع، وأن تتخذ من هوايتها مصدر دخل لها.

تقول: “أخذت أعمل يوميًا ما لا يقل عن ست ساعات بعد أن وجدت إقبالًا كبيرًا، لدرجة أنني بدأت أشحن إلى دول مختلفة كالبحرين والكويت وقطر والإمارات، وكذلك كان لدي أكثر من شحنة خارج دول الخليج مثل كندا وأمريكا، هذا الإقبال جعلني أعتمد المكرميات كمصدر رزق أساسي لي، والحمد لله نجحت في ذلك، وأصبح لدي مجموعة كبيرة من المتابعين والزبائن المستمرين في الطلب أكثر من مرة”.

تنوع موثّق
وثّقت “أخضر” حسابها التجاري في وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية؛ وذلك لكسب ثقة زبائنها بصورة أكبر، كما أن ذلك فتح لها مجال المشاركة في المهرجانات الرسمية كالفعاليات والمهرجانات في محافظة القطيف وخارجها، بل إن قدميها وطئتا مهرجانات خارج القطيف قبل أن تشارك في بلدتها الأم.

وتعرض في حسابها “dh.macrame” أنواعًا مختلفة من المكرميات وبأحجام مختلفة؛ كبيرة جدًا وأخرى صغيرة أو متوسطة الحجم.

ومن بين القطع التي تصنعها؛ ميداليات المفاتيح، ميداليات مرايا السيارات، حامل الجوال، حامل الأيباد، كارد هولد حامل بطاقة العمل، تعليقات للنباتات الداخلية والخارجية، أرجوحات معلقة، كراسي معلقة، مفارش طاولات، قواعد أكواب، تعليقات جدارية، التصميمات البوهيمية، سجادات، مخدات، ملابس خفيفة، أساور، قلادات، وإكسسوارات شعر.

تتدلى في عقارب الساعة
تبين “أخضر” أن عقارب ساعة صناعة المكرميات لا تدور في وقت محدد؛ فطول مدة العمل وقصرها تعتمد على نوع الغرزة وحجم القطعة، مشيرةً إلى أن الوقت الذي تستهلكه بعض الميداليات لإنهائها نصف ساعة، فيما تأخذ ميداليات أخرى ساعة أو ساعة ونصف، وذلك على حسب عدد أمتار الخيوط وكمية ونوعية الغرز.

من أناملها إلى أنامل السيدات
نقلت “ضحى” حرفتها من بين أصابعها، إلى كفوف 157 متدربة، بينهن متدربات من ذوات الإعاقة، وما يقارب نصف عدد متدرباتها من مستفيدات الضمان الاجتماعي والجمعيات الخيرية ححيث قدمت لهن دوراتها بشكل تطوعي، وقد انطلقت في الدورات التدريبية منذ عام 2020م.

كأي حرفة
تؤكد “أخضر” أن تعلم المكرميات مثله مثل تعلم أي حرفة في الحياة، لا نستطيع أن نحدد إن كان تعلمها سهلًا أم لا، مشيرةً إلى أن ذلك يعتمد على الشخص نفسه؛ هل لديه رغبة في العمل أم لا، هل يحب هذه الحرفة ولديه قرار بالاستمرار فيها أم لا، وهل سيتحدى كل الصعاب في تعلمها، أم سيربط يديه ويقف مكتوفًا أمام أية عرقلة تعترضه.

حلم أن تكون يدًا لذوي الاحتياجات
تحلم “أخضر” بأن تكون مدربة معتمدة من الجهات الرسمية، تقول عن حلمها: “وهدفي الأول قبل أن أكون مدربة معتمدة، هو أن أقدم دورات تطوعية لفئة ذوات الاحتياجات الخاصة دون أي مقابل”.

وتمضي في حديثها: “ولأنني أرى صعوبة خروج هذه الفئة من منازلهن إلى العمل وكسب رواتب شهرية أمرًا صعبًا، كما أن ركوبهن السيارة وخروجهن من منازلهن صعب، فإنني أجد أن وجودهن بالبيت وممارسة عملهن اليدوي من داخل سكنهن سيفتح لهن مجالًا وباب رزق، لذلك أحب أن أضم مجموعة من ذوات الاحتياجات، وأدربهن على يدي تحت مظلة جهة رسمية أو حكومية”.




error: المحتوي محمي