ألسنا مقصرين في حقّ السيدة خديجة عليها السلام؟!

في محيطنا، نتذكر السيدةَ خديجة بنت خويلد عليها السلام في ليلة العاشر من شهر رمضان ويومها، في مجالسنا الرمضانيّة، بمناسبة وفاتها؛ نأتي على القليل من ذكر مآثرهَا الجمّة في مساندة النبيّ صلى الله عليه وآله في تشييد عمادِ الدين الإسلامي، وما عدا ذلك نذكرها لمامًا من هنا وهناك في سائر الأيام وقد تمر أشهر دون أن نذكرها!

وراء بعض الشخصيّات العظيمة – مثل السيدة خديجة – أسرار تحتاج إلى من يكتشفها وبذلك يقدم خدمة رائدة للإنسانيّة جمعاء وليس لأهل ديانةٍ دون سواها. لأن من سبب الكوارث الأخلاقيّة في كلّ عصر هو تداعي وتهافت مفهوم الأمومة والزوجيّة، وارتقاء الهياكل الخاوية بدلًا من ذلك!

السيدة خديجة من الشخصيّات النسائيّة الرائدة ونموذج واضح لنساء ورجال كل عصر – وهذا العصر – في جوانب لا تعد، مع ذلك لم تدرس شخصيتها بعناية ولم تقدم وتشكر بما فيه الكفاية على تضحياتها الجسيمة والدروس التي قدمتها وتقدمها للرّجال والنّساء في كلّ آن، امرأة لا يستوعبها التاريخ في طوله وعرضه.

المال كان أسهل وأرخص ما بذلته خديجة، وما أغلى من المال كان المكانة الاجتماعيّة التي استرخصتها ولم تعر لها وزنًا عندما اختارت الاقتران بالنبي صلى الله عليه وآله. فريدة من نوعها عاشت في مجتمعٍ غلب فيه الرجال؛ نجحت في ريادة الأعمال وجمعت ثروة ضخمة – بمقاييس العصر الحاضر – من المال الحلال وفي ذات الوقت احتفظت بطهارتهَا وعفّتها وشرفها في مجتمعٍ كثرت فيه الآثام وتداعت فيه الأخلاق!

الأذى النفسيّ والجسديّ كان أكبر من المال؛ حصار في شِعب ومعاناة ومقاطعة، فبعد أن كان المجتمع القرشيّ يطلب رضاها ويتسابق الرجال والنساء لطلب القرب منها كادوا لها وناصبوهَا العداء الجسديّ والنفسي. في السنة العاشرة للبعثة وفي شهر رمضان انتهت معاناة السيدة خديجة عليها السلام، وانتقلت إلى قصرها “وبشّرها النبيّ ببيتٍ في الجنّة من قصب لا صخبَ فيه ولا نصب”. غابت وكأنها الشمس لا تغرب إلا وتشرق بعد ساعات؛ تشرق وتبعث في الدنيا الحياةَ من جديد!

خديجة؛ اختيار الأهداف بدقة، النظرة المستقبليّة، الإصرار والتحدي، القيم السامية والتديّن، مخالفة العرف الباطل، “أم العيال وربة البيت”. دروس جمة قدمتها السيدة خديجة قبل زواجها من النبيّ محمد صلى الله عليه وآله ومن بعد زواجها، أجمع التاريخ على نجاحها في كل المراحل بامتياز ونالت أوسمةً ربانيّة وإنسانيّة!

إذن عندما تمر طوال السنة أيام خُصصت للمرأة والأم والزوجة في هذه الآونة، فلنتأمل في النماذج التي تمددت واتسعت في التاريخ مثل السيدة خديجة عليها السلام، حتى لا نتألم إذا مُلئت الساحاتُ الاجتماعيّة والإنسانيّة بنماذج عاطلة وفارغة من كلّ مضمون مفيد! تمر أيام كثيرة طوال السنة يمكننا أن نقدم نموذج السيدة الخديجة فيها كلها مع شعور بالفخر والسمو، فهي نقطة التقاء عالميّة لا يختلف في ذلك اثنان!



error: المحتوي محمي