وجوه في «حرفيون 2».. من القطيف.. إبرتها تحول الخيوط دمى.. سكينة الضامن من التربية الخاصة لفن الكورشيه

المكان بيتٌ يضجُّ بالحياة من بيوت القطيف، والزمان قبل ست سنوات من الآن، والحدث قبعةُ تخرّجٍ وردية وكثيرٌ من البهجة والفخر بتخرج تلك الابنة، والعقدة هديةٌ مختلفة تبحث عن نفسها في عقل سكينة عبد الغني أحمد الضامن لإهدائها لابنة أختها الخريجة، وبعد صولاتٍ وجولات انفكت تلك العقدة واهتدت لحلها بتعليقة مفتاح صنعتها على هيئة دمية كورشية صغيرة، ورغم أنها لم تكن بقياسات محددة ولا تخلو من الأخطاء، فإنّ تعليقة المفتاح تلك شرعت بابًا جديدًا وغريبًا في حياة سكينة لم يخطر على بالها وهي خريجة التربية الخاصة تخصص إعاقة عقلية.

لقد كانت دمية الكورشيه ضئيلة الحجم هي الدمية الأولى في رفوف منظمة ومرتبة امتلأت بها خزانتها بعد قرارها أن تتعلم جدّيًا فن الكورشيه، فدخلت أول دورة لصناعة الدمى، وكانت آخر دورة أيضًا استبدلت بها التعلّم الذاتي، ومن ذلك الوقت والخيط والإبرة صديقان لا يفترقان عن أناملها وتفاصيل حياتها اليومية.

رسمٌ وكورشيه
خطف فنّ الكورشيه إعجاب الضامن وانتباهها بعد تخرجها، حينما دخلت أختاها دورة كورشيه وكانت تتابع خلالها إنجازهما ومشغولاتهما خلال الدورة، فالتقطت منهما ما التقطت من معلومات وملاحظات حول هذا الفن، لكنّ ذلك الإعجاب قد تحوّل إلى ميلٍ وشغف فطوّرت مهاراتها وتعمقت في معرفة أسراره.

وتفوق التلميذ على أستاذه كما يقولون، حينما أصبح عملها متفوقًا على أختيها، وبعد أن احتضنها دعم العائلة وتشجيعها كذلك، ومع فن الكورشيه يجد الرسم نفسه في زاوية أخرى من زوايا أيامها، فهي تمارس الرسم بين الحين والآخر، لتغذي ميولها هنا وهناك.

10 عقود
أكثرُ من عشر سنوات تجمع ابنة القطيف بهواية فنّ الكورشيه، فكانت تصنع البطانيات والقبعات فقط، لكنّها وقبل ثلاث سنوات بدأت الاهتمام والتركيز أكثر على هذا الفن، فأنتجت أول دُمية لها بشكل احترافي وبقياسات صحيحة أذهلت وحصدت إعجاب المقربين منها من الأهل والأصدقاء، وكانت تلك الدمية رقمها الأول في متجرها الإلكتروني الذي تعرض فيه جديدها من الدمى المختلفة شكلًا وحجمًا وشخصيات، بالإضافة لبعض المشغولات الأخرى كأكياس الناصفة التي تمزج فيها الأقمشة بالكورشيه والإكسسورات بصورة جاذبة مستحسنة لكل من يراها.

خيوطُ تطريز وسنارة
«القطيف اليوم» وقفت على ركن الضامن المشاركة به في مهرجان “حرفيون 2” وسألناها عن دميتها الصديقة فقالت: خيطٌ وسنارة ومعداتٌ تكملها، والكثير من الحب لهوايتي يكون نتاجها تلك الدمى الصديقة اللطيفة التي ترونها أمامكم، فصناعة دمى الكورشيه تحتاج شغفًا واهتمامًا بالتفاصيل الصغيرة والمستلزمات التي تخلق تلك التفاصيل كالقطن والأسلاك والشعر الصناعي.

وتضيف: تلك الدمية الصغيرة تمر بمراحل لترونها جالسة ومتربعة وأنيقة، فأول الأمر لا بد من عمل هيكل الجسم بدون أية تفاصيل، وبعدها نجهز للأنيقة خياطة ملابسها وجزمتها، ثم يأتي تركيب الشعر، والإكسسوارات التي أراعي فيها طلب الزبون، وبلمساتٍ نهائية تكون الدمية المطلوبة جاهزة للتسليم وتبتسم لصاحبها.

التمريض الأكثر طلبًا
يتفاوت الجهد والوقت الذي تقضيه الضامن من دمية إلى أخرى، وتتراوح تقريبًا من 15 ساعة إلى 20 ساعة، وأكثر الأشكال طلبًا هي دمى صغيرة بطول 10 سم تستخدم كميدالية لِمرآة السيارة، وهنا تكمن الصعوبة -حسب وصفها- فصغر حجم الخيط وصغر السنارة يصعب عملًا عن الدمى الكبيرة، وتتطلب مهارة ودقة عالية.

وتبين سكينة أن الزبائن يفضلون غالبًا دمى تشبههم بطريقة ما، من حيث لون البشرة والشعر وطوله ونوعه “مموج، ناعم” واللبس، وارتداء النظارات أو عدمها، وبلحية أو بدون لحية، بل إنّ بعض الزبائن يرسلون صورة لعمل دمية مقاربة لهم كثيرًا ، وبالنسبة لديها فدمى المهن مطلوبة جدًا، كالدكتورة أو الممرضة، وهي الأكثر طلبًا.

لا يرونني دونها
تزاول الضامن عملها بكل حب ممزوجًا بالفخر بذاتها، ومن النادر أن تلقاها عائلتها وأصحابها في جمعة أهل والتفاف أصدقاء أو حتى موعد مستشفى أو صالون دون سنارتها وخيوطها، فقد أصبحت خياطة الدمى إدمانًا نفسيًا لا غنى لها عنه، وفي كل فترة تحاول أن تضيف شيئًا جديدًا من الأفكار أو الطرق التكنيكية الجديدة في الخياطة، وهي في ذلك تتحدى كل ما تراه صعبًا في بدايته، فقد كان إنتاج دمية الدب الصغير تحديًا لها كما تقول، وكانت على قدر هذا التحدي، وفي كل دمية تنفذها تُوجد لها مساحة خاصة بداخلها، وخاصة حينما تكون لشخص عزيز على قلبها، ورغم صعوبة بعض الدمى فإن التعب يتبخر هواء حينما يسألها أحدهم: هذا جاهز؟! حينها كأنه منحها وسام الإتقان على حد تعبيرها، والوصول لمستوى عالٍ من الاحتراف في صناعة الدمى طموحٌ تجدده بنفسها كلما أنتجت دمية جديدة.

وتشارك “الضامن” لأول مرة في فعالية”حرفيون 2″ التي ينظّمها مكتب الضمان الاجتماعي بمحافظة القطيف، بالشراكة مع بلدية المحافظة، وجمعية التنمية الأهلية بالمحافظة، في حديقة الناصرة بمحافظة القطيف، والتي انطلقت يوم الأحد 4 رمضان 1444 هـ، وتستمر على مدى 10 أيام.



صور من الفعاليات




error: المحتوي محمي