لأنك إنسان «1»

ليست معلومة جديدة أن يقول لنا أحدهم إنك إنسان فلم تعمل هذا العمل مثلًا؟!، وفي الغالب هناك من ينادي الإنسانية التي بين جوانحك وأولها ضميرك إن كان لا يزال حيًا فبالتأكيد سيناديك ويؤنبك إن استدعى الأمر لتستمع لصوته حتى لو كان في هيئة شخص آخر.

كثيرة هي الأمور التي تميزنا نحن -بني الإنسان- عن كثير من الكائنات، وربما لا نلتفت لجمالها ونحتاج من يذكرنا فيها وحيث إنني أريد تناول كل صفة على حدة فسأتناول الرحمة والإنسانية التي يملكها الإنسان اليوم لأن من أسمى ما يميز بني البشر إنسانيتهم فهو إنسان قبل أن يكون كائنًا عاقلًا.

الأم الرحيمة على أولادها، والأب العطوف على عياله، والابن البار بوالديه الطاعنين في السن، الأخ المعاون لأخيه، الجار المتفقد لجاره الفقير كلها وغيرها مظاهر لإنسانية موجودة فينا.

في أحد الأيام وأنا أشاهد بعض المقاطع اليوتيوب اقترح علي مشاهدة مقاطع لصور إنسانية لم أكتفِ من مشاهدة مقطع كان يحوي عدة صور بل فتحت أكثر من مقطع تباعًا لأنها من جمالها كان يقشعر بدني وتدمع عيني، صور إنسانية باهرة تجعل لاعبًا رياضيًا يتخلى عن الفوز بميدالية ذهبية ليساعد متسابقًا قبله ويحمله معه، صورة عذبة للرحمة تجعل عشرات الأشخاص يتعاونون لتحريك قطار يوزن بالأطنان لمساعدة رجل واحد علقت قدمه فيه، وغيرها صور كثيرة تثلج الفؤاد حقيقة لكن ما يدمي القلب أنها صور في غير المسلمين، فالإنسانية موجودة بالفطرة في كل البشر، لكن اللوم لمن يقتل إنسانيته بأفعاله حتى لو كان معتنقًا لدين الإنسانية والرحمة.

معروف عن ديننا دين الرحمة والإنسانية وهو أبعد ما يكون عن مظاهر التعذيب الشنيعة والحروب الإرهابية التي لا تمت للإسلام وأهله بصلة، لكن مع الأسف هناك من ينقل صورة عنيفة عن الإسلام ويصوره بصورة ترهيب وتخويف تنفّر منه وممن يعتنقه، مما قد يصم سمعه عن أي شيء يخصه قد يغير رأيه فيه.

وأول وظيفة نكتسبها حين نكتب في خانة الديانة الإسلام هي أن نمثل الإسلام ونجعله حاضرًا في وجودنا ووجداننا وينعكس على من حولنا.

فصورة الإسلام ورحمته المشرقة يجب أن نوظف الجهود لإبرازها لحجب أي غمامة كاذبة تزعم خلوه من الرحمة، وقبل أن ننتظر تمثيل الرحمة والإنسانية في الآخرين فلنبدأ بانفسنا فنحن نمثل رقمًا صحيحًا يُبنى عليه أرقام صحيحة أخرى.

الإنسان الذي يشعر بآلام الإنسان الذي يكون أدنى منه وتحركه للنهوض وتقديم يد العون له بدون طلب رياء ولا شهرة، هو مظهر من مظاهر الرحمة التي يحق لنا تكريم من يمتلكها.

هذا الشهر الفضيل جاء لنقف وقفة لنستشعر ألم فقير أو يتيم أو محتاج لا يقوى على إطعام أطفاله وحمايتهم من جور الغلاء كي لا يقرصهم قارص الجوع.

لا أعلم أن كنا نجوع حقًا جوعًا حقيقيًا أو تُعطى معدتنا فرصة للجوع أو حتى لاستهلاك المخزون من الأكل المكدس في صورة دهون في أجسامنا، لأنه حتى مع طول ساعات الصيام فهي بالتأكيد أطول وأطول على من ينتظر أن ينتهي الناس من إفطارهم ليتلقى فاضل أكلهم.

قد يقول أحدهم ليس هناك من جياع، وليس هناك من يموت جوعًا، نعم لا نستطيع الجزم بذلك يقينًا فهناك من يتعفف عن السؤال كي لا يريق ماء وجهه للغير ويتحمل الجوع والحاجة طالبًا رحمة الله أن تأتيه دون طلب من غيره، فضلًا عمن تنقصه أمور أخرى تحرمه التلذذ بلقمة الإفطار.

أعتقد لو عرفنا كمية من يأتي وقت الإفطار وهو لا يملك ربع ما في مائدة إفطارنا، فأتوقع أن طعم الجوع لن يفكر في زيارة إدراك عقولنا بعدها، فما تمتع غني إلا بحق فقير وهذا معنى ما قاله أمير المؤمنين (ع) حين قال: إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ فَرَضَ فِي أَمْوَالِ الْأَغْنِيَاءِ أَقْوَاتَ الْفُقَرَاءِ فَمَا جَاعَ فَقِيرٌ إِلَّا بِمَا مُتِّعَ بِهِ غَنِيٌّ وَاللَّهُ تَعَالَى سَائِلُهُمْ عَنْ ذَلِكَ.

أهل الأسلام هم من يعلموننا كيف نتعامل وماذا نصنع لنصون صورة الإسلام اللين الهين، فهذا رسول الرحمة محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- يعجز القلم عن وصف رحمته المهداة لنا تسمعه يقول في استقبال الشهر الكريم ضمن عروض الشهر وبركاته “ومن خفف في هذا الشهر عما ملكت يمينه خفف الله عليه حسابه”.

بربكم أسأل من منا لا يريد هذا العرض ويبتغي التخفيف عليه بالحساب؟ قطعًا جميعنا نريد هذا العرض لأننا ذوو الذنوب والمعاصي أحوج من نكون له، أفلا نعمل على التخفيف على من يعمل لدينا كرامة لشهر الله لعله يذكرنا بدعوة صادقة بين طيات دعائه؟

وإن لم نكرمه بتخفيف الوقت فنلجزل له بالأجر وأضعف الإيمان ألا نتأخر عليه في إعطائه أجرته قبل أن يجف عرقه، فرمضان مبارك علينا وعليه بالتأكيد.

هناك عرض آخر أود الختام معه يقول رسول الرحمة “ومَنْ أَكْرَمَ فِيهِ يتيمًا أَكْرَمَهُ اللَّهُ يَوْمَ يَلْقَاهُ” هذا إذا أكرمنا يتيمًا من الناس فلا أعلم ما له من أكرم يُتمك يا رسول الله وبات لك السند والناصر والكفيل الذي لا تفكر معه في يتمك أو وحدتك.

عمك العظيم أبو طالب الذي تمثلت فيه إنسانية عظيمة لأنها ارتبطت بك فجعلته محط شفاعة يحسده عليها الحاسدون.

هو من كفلك يتيمًا ورحل عنك وقلبه لا يزال يرق لحالك ويوصي عليك وهو مصدق ومؤمن بكل ما أتيت به، وتحمل إخفاء عظمة إيمانه والتنعم بمنحة الإيمان بك حماية لك ولدينك.

فيا شهر ربي بإكمالك أسبوعًا هي سبعة أيام مضت من عمري سريعًا اجعلني ممن يُكرم يُتم رسول في فقده عمه الناصر ويرحم عبرته بنصرته، وأنلني رحمة تُجمل إنسانيتي لآتيك وأنا أسألك هل أنا في سُفرة من الرحمة أم في سَفرة فيها؟



error: المحتوي محمي