ما فنك الخاص؟

ندرس ونتعلم لسنوات طويلة في صفوف المدارس وحين يأتي وقت اختيار التخصص يكون اختيارنا إما لتخصص نبتغي الوظيفة المطلوبة بسوق العمل من ورائه حتى لو لم تكن هناك أدنى علاقة حب به، أو يكون اختيارنا حبًا لتخصص قد حببنا فيه معلم أو معلمة، أو ربما يكون لشغف نما لعوامل في البيئة ساعدت في حب هذا التخصص وباتت الأمنية هي التزود فيه والولوج لعالمه.

فمثلًا بالنسبة لي ما دعاني لدخول تخصصي هو كتاب قرأته واكتشفت أن هذا التخصص الذي أريد الدخول فيه، وكان بعنوان النظام الصحي بين الطب الإسلامي والطب الطبيعي للسيد حسين نجيب محمد، ورغم أن الدراسة لم تشفِ نهمي حتى إني كنت أريد إكمال الدراسة وتم قبولي للابتعاث لكن لم يكتمل الأمر لبعض الظروف، ربما لأن الله شاء أن أدخل مجالات أخرى بعدها لأكتشف نفسي فيها.

فنحن قد نكمل دراستنا الجامعية وقد نكمل بعدها الدراسات العليا ولكننا نعجز عن اكتشاف أنفسنا والعثور على بصمتنا الخاصة؛ لأننا نرضى بالوضع الروتيني لحياتنا ندرس لنوظف لنقبض راتبًا يؤمن احتياجاتنا وكفى، بدون أن نضيف شيئًا خاصًا ومختلفًا عن الآخرين في مجالنا.

نعم هناك من يبدع في عمله ويعطيه جل ما عنده لشغفه فيه وحتى لو كان المجال مكررًا عند البعض لكن لديه فأنت تنظر للمجال فيه بصورة أكثر إشراقًا من غيره.

ربما هناك من لديه عين ثاقبة ويكتشف فيك شيئًا أنت لم تره بنفسك جيدًا أو لم تحسن تقديره فيك، فكلمة لافتة قد تأتيك حتى من طفل صادق لا يعرف مجاملة الكبار قد تكون كفيلة بشحنك إيجابيًا نحو قرار التوجه لموضع إبداعك.

حين ترى شخصًا مبدعًا أو مبتكرًا لمشروع فريد ولا تخلو أبناء القطيف وبناتها مثلًا من الإبداعات الفريدة التي تنبهر من بعض الإنتاجات فيها وقد لا تصدق أنها من عمل يد قطيفية، فتوقع أن هناك كلمة جاءتهم وجعلتهم ينطلقون بإبداعاتهم الجميلة.

وبالطبع تختلف هذه الكلمة لدى الجميع، فتارة تكون الكلمة مشجعة ومحمسة وربما داعمة ومتكفلة ببعض التكاليف؛ لأنها واثقة بإبداع الشخص وأنه سيكون له بصمة جميلة.

وتارة تكون الكلمة محبطة ومكسّرة لأجنحة الطيران في أفق الإبداع حيث إن كل جديد محارب ومستهزأ به، وفي اعتقادي أن مثل هذه الكلمات هي من جعلت لدينا اليوم الكثير من الاختراعات فقل لي أي مخترع من المخترعين لم يُستهزأ به في البداية وبتفكيره الخارج عن صندوق الأفق المحدود.

كم من المخترعين والمبتكرين ممن واجهوا انتقادات لاذعة في بداياتهم وصمدوا أمامهم؛ لأنهم كانوا يرون المستقبل في عيونهم أفضل والآن يشكر جهودهم الشاكرون لأنهم جعلوا الحياة أسهل.

نعم أنا لا أشجع على كثرة الكلام المحبط لأن إسلامنا في الأصل حثنا على الكلام الحسن وحتى لو كان لدينا كلام سيء وجهنا للصمت والسكوت “ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا، أو ليصمت” فبالتأكيد الكلمة الطيبة لها مفعول رائع في الإبداع، ولكن ليس بالضرورة أن نتلقى هذه الكلمة فإذا تلقينا عكسها لا يكون هذا نهاية الطريق بل هو البداية التي تتحدى بها كل الكلام السيء لتدع الأيام تحكي عكسه وتبرهن عن إبداعك القادم رغم كل التحديات المعيقة لتقدمه.

وقبل ذلك ليس بالضرورة أن تجد من يكتشف بصمتك وفنك الخاص الذي تمتاز به ليهديك كلمة فيه، ولكن قبل أن تنتظر من يكتشفك أنت اكتشف نفسك وخض في أغوارها فالله أودعنا طاقات كبيرة نحن لا نستغل إلا نزرًا بسيطًا منها لأننا لا نجرب أنفسنا فيها ونحكم سريعًا أننا لا نستطيع، أو نفصح بعدم حبنا لها وفي الطبيعة الناس أعداء ما جهِلوا.

وهناك أمثلة كثيرة تستدعي التجربة والتمرين فقط للانطلاق فمثلًا هناك من تكون لديه خامة صوتية جميلة لكنه لم يضع نفسه في موضع التجربة والمحاولة ليتم اكتشاف خامته الفريدة فنحن كما نملك بأيدينا بصمة خاصة لا تتشابه مع أي أحد من الناس كذلك أصواتنا مهما تشابهت فإن لكل أحد منا صوتًا ونبرة تميزه عن غيره، لهذا ترى بعض البنوك مثلًا يعتمدون على تمييزك ببصمة صوتك.

ونحن في شهر رمضان المبارك الذي يحفل ببرامج الذكر والدعاء والمجالس الحسينية فهو فرصة لاكتشاف الخامات الجديدة فما الضير من أن يكون هناك صوت جديد من الأطفال أو الفتيان أو الفتيات لينال حظه من التجربة فليكتشف نفسه ويكتشفه الناس مبكرًا .

وأيضًا ليتم جذبهم لهذه المجالس وإخراجهم من بقعة الاهتمام بالمسلسلات الفائضة إلى نور الاهتمام بالتدرب ليكون أداؤه في التلاوة أو قراءة الدعاء أو النعي أو الإنشاد أو اللطم رائعًا؟

مع الأسف نحن مقصرون برعاية واحتضان السن المحير من المراهقين فترى برامج للصغار تحوي عمر الأطفال وبرامج للكبار، أما من هو للتو خرج من عالم الطفولة ولكنه بعد لم يدخل تمامًا لعالم الكبار فلا تجد لهم مكانًا مخصصًا إلا القليل جدًا، فهو أولى من أن يحتاج للاكتشاف وتنمية ميوله التي سيكبر عليها خاصة أنه بمرحلة انتقاليه يحتاج من يساعده على نجاح الانتقال والإمساك بيده.

وكما أن المراهقين يحتاجون من يحتوي تقلباتهم واهتماماتهم نحن كذلك فيك يا شهر الله مراهقون فيك نريد منك أن تمسك بأيدينا لنقترب منك ونغدو كبارًا بفيض بركاتك.

لا زلنا لا نعرف أنفسنا ولم نكتشفها حقيقة لأننا لو عرفناها فقد عرفنا ربنا ووصلنا لك سريعًا، ولكن كل ما نحتاجه مدد يساعدنا لنستخرج كل فنوننا ونفجر الخيرات التي لدينا فيك.

فيا شهر الله في يومك السادس لا زلت أُعيد سؤالي لك هل أنا في سُفرة من فنونك، أم في سَفرة فيها؟



error: المحتوي محمي