اكتشف الأخطاء (2)

“كلّ بني آدم خطّاء، وخير الخطّائين التوّابون”، قول للنبي الأعظم (ص) فيه من الرحمة الكثير، فنحن حين نعلم أن كل بني جنسنا يخطئون فهو شيء يخفف مصيبتنا بخطئنا، لأنه لو قال (ص) قلة هم من يُخطئون سنشعر كأننا من الطلاب الكسالى الذين مع تبسيط الأسئلة لهم لكنهم من القلة المخطئون.

وربما نستشعر هذه الرحمة حين نجرب في حياتنا الالتحاق بدورة تعليمية مثلًا كالإنجليزية وحين نرى أن أغلب الطلاب ممتازون ويشاركون بدون أخطاء هنا يتملكنا الخوف من الخطأ لأننا سنكون في محط سخرية لأن الأغلب يعرفون حل الأسئلة ويشاركون بسرعة بديهة، إلا نحن وعدد قليل جدًا حتى لو كنا نعتقد أنه لا حق للسخرية ممن كان التحاقه بدورة تعليمية ليتعلم فيها ويصحح خطأه فيها لأن الخطأ وارد ممن هو في طور التعلم.

نعم نحن في الحياة نرتكب الأخطاء ولكن لا يعني ارتكابنا للأخطاء أن نتساهل فيها ونعلنها على الملأ لنخفف عنهم أخطاءهم لأن كل بني آدم خطاء، فالله يحب الستر علينا ولا يحب أن نفضح ذنوبنا، لهذا أكمل رسول الرحمة كلامه بقول “وخير الخطّائين التوابون”.

نعم نحن بشر معرضون جميعنا للخطأ لكن لا يعني أنه إذا فاتتنا صلاة اليوم فجرًا أن نقوم غدًا بإذاعة أننا فوتنا الصلاة حتى لو كان بداعي التحسر والأسى، فربما هناك من ينظر لنا نظرة القدوة وكيف الحال مع قدوة تفوت الصلاة أو ترتكب أي خطأ؟!

فهناك من يقتدي حتى بالأخطاء، حتى إن البعض يعلق نظره على بعض السادة وعلماء الدين أو المشايخ وينتظر الزلة عليهم أو على أي أحد ينتمي لهم ليقلدهم ويقول السيد أو الشيخ أو ذووهما فعلوها فلم لا أفعلها أنا كذلك؟ وهم في النهاية بشر مثلنا معرضون للخطأ!!.

نحن في كل يوم وفي كل ساعة ودقيقة وثانية لدينا فرص لتصحيح الخطأ فنحن الخطّاؤون ومع هذا فخيرنا هم التوابون الذين يمسحون أخطاءه بممحاة الاستغفار وطلب العفو من صاحب العفو.

الجميل أن هناك من يكرس نفسه لتصحيح خطأ شائع يقع فيه الناس فمثلًا في مجال الصلاة وألفاظها وأفعالها هناك من يستغل هذا الشهر مشكورًا لبث رسائل تصحيح الأخطاء التي يقع فيها البعض سواء في الوضوء أو الغسل أو في الصلاة وما يتعلق بها وحتى بقراءة القرآن ترى في كل يوم تصحيح لقراءة جزء، ومع الأسف هناك من لا يبحث عنها لكن في المواسم التي لا تؤدى إلا مرة حسب الاستطاعة يتم اكتشاف أخطاء كانت تُمارس لسنوات وتقتضي الإعادة كمن يكون لديه خطأ يفسد وضوءه أو غسله.

شهر رمضان مدرسة تُعلمنا جميعًا والطالب المجد من يخرج منه وهو يحمل كراسة بدروس عديدة وجديدة لا يعود بعدها لممارسة أخطاء سابقة.

منذ يومين تقريبًا ذكرت في مقالتي مثلًا شائعًا نسمعه وهو “الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك” أعجبتني مبادرة إحدى العزيزات التي جعلت مقالتي فرصة لإكسابي معلومة جديدة وصلتها وكنت لا أعرفها وكانت تصحيح للمثل الذي شاع بخطأه والصحيح هو أن الوقت كالسيل إن لم تقطعه قطعك.

وكان التصحيح لطيفًا حين أرسلت لي أحد المقالات التي تناولت بعض الأمثال التي نتناقلها وهي خاطئة مثل كذب المنجمون ولو صدقوا وتصحيحها ولو صدفوا لأنهم لا يصدقون لكنهم بالصدفة ربما يصيبون الحق، وكذلك المثل الذي تمثل ببيت الشعر:
أعلمه الرماية كل يوم فلما أشتد ساعده رماني والصحيح “فلما استد” من التسديد فليس هناك علاقة للشدة مع دقة التصويب.

يعجبني من يصحح خطئي بلطف فمن منا لا يُخطئ وأخطاؤنا تحتاج رفقًا لتتجاوز إصرار النفس وعنادها على ما تراه صوابًا وهو خطأ.

فجميل أن نطلب نحن من الآخرين إهداءنا أخطاءنا لنحاول تجاوزها بمساعدتهم، وجميل أيضًا أن نضم هذا ضمن أدعيتنا لله فهو من يلهمنا الطريق السليم ويُرينا الحق حقًا والباطل باطلًا بفضل عنايته ولطفه.

فيا شهر الله أرني عيوبي وأخطائي التي لا تجعلني أستفيد من فيض الكرامة فيك وعوضني بحسن الوفاء لك وبحقك.

وفي يومك الخامس سأعود لسؤالي لك هل أنا في سُفرة من الاكتشافات فيك أم في سَفرة فيها؟



error: المحتوي محمي