عندما تكون أفعالنا ضرارًا دون أن نلتفت

عندما تتحول أعلى قيمة إسلامية إلى مصدر للفتنة وإضعاف المكون الآمن وبث الفرقة بينهم فإنها سرعان ما تصبح ذات قيمة دانية ممقوتة مرفوضة حتى ولو كانت من أسمى القيم وهذا ما نراه جليًا في خطاب القرآن لمسجد ضرار حينما أريد به أن يكون مصدرًا لإضعاف المسلمين.

وإذا أردنا أن نتوسع أكثر فإن هناك الكثير مما نصنعه وهو في الحقيقة يمثل ضرارًا وربما لا يشعر بذلك أكثرنا لأننا سننظر بعين الخير للتاريخ الذي يحمله صاحب العمل أو عظمة العمل ذاته أو طول الركوع وحسن الأداء خصوصًا مع قوة إعلام صاحب العمل.

وكما أن هناك مسجدًا ضرارًا فهناك شخص ضرار وعمل ضرار وأسوؤها حينما يكون ذلك الضرار معششًا في أماكن القداسة لتتحول إلى مصدر للفتنة وزرع الضغائن والأحقاد ولعل بعضها ينشأ بأصول الخير لكنه يتحول إلى مصدر للضرر المبغوض.

علينا أن نتوخى الحذر من أحابيل الشيطان عندما يجعلنا نسير على دربه في مواقع مقدسة عظيمة لكننا ننساق معه دون أن نشعر ونجده مشمرًا عن وساوسه حينما يجد المأتم الحسيني عامرًا بذكر الحسين -سلام الله عليه والعترة الطاهرة- فيعمل على صنع بدائل أو موازيًا أو منافسًا له في الوقت والخطيب فينسى الناس عظمة ذلك المجلس ويتهافتون على جدل المناظرة بين الخطيب أو المجلس، أو يدخل من جانب مناسبة الوقت للناس وقد تتعدد الوساوس حتى يفقد المجلس مكانته وقيمته.

نسعى لبث العلم والمعرفة الدينية ونعظمها ونقدسها ونجلها لكن الشيطان يتدخل علينا في التشكيك في أهمية تلك المعرفة وتلك المسائل الفقهية ونتحول تدريجيًا من قيمة العلم والدرس إلى تهميش طالب العلم نتصيد هفواته وكلماته لتسقيطه وإضعاف وجوده المعنوي حتى ينفر الناس منه.

وإذا كان ذلك الطالب نشيطًا في موقع علمي من حوزة أو مسجد أو فضائية فنتوجه إلى إضعاف تلك الحوزة وذلك المسجد ثم نتجه لتشويه إمام المسجد وكيفية صلاته وإن لم نجد مثلبة صنعناها وإن لم نستطع زرعنا الفتن حتى ينفر الناس من ذلك المسجد.

بنو عوف بنوا مسجد قباء وصلى فيه رسول الله -صلى الله عليه وآله- ولم يجد الحاسدون سوى بناء مسجد مجاور له لإضعاف مسجد قباء وتفريق المسلمين وزرع الفتن والعداوة بين المسلمين ودعوا رسول الله -صلى الله عليه وآله- للصلاة فيه فنزلت الآية في بيان ضرره وتأثيره السلبي وأن المظهر الخارجي له لا يغني القيمة الحقيقية له “وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ..” ويروى أن رسول الله -صلى الله عليه وآله- أمر بهدمه وإحراقه لوأد الفتنة في مهدها.

كل عمل يراد به صنع الخلاف والفتنة لا بد أن يصنعه مروجوه بصورة مقبولة تبعده عن ذلك التشويه، كما نلاحظ ذلك في مضامين الآية في صور متعددة وهو التمويه للناس بأن عملهم هو لأجل الخير “وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ” وما أكثر صور اللعب على هذا الوتر وتضيف الآية قيمة أخرى أن المسجد بقيمة ما يحتضنه من المؤمنين الصادقين “فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ”.

ولعلنا نسقط المشروع الاجتماعي بتشويهه وتقليل أهميته رغم شموخه وكبره وقد تكون إغراءات الشيطان بطموحات شخصية فيتملكنا حب الذات للتباهي بعملنا أو كسب موقع اجتماعي أو تسقيط منافسينا ومحسودينا حتى تتغلغل في أهم أعمالنا من عبادة وصدقة وعطاء وأعمال الخير، تلك صفات سيئة ولعل أسوأها هو العمل من خلاله على ضرب العامل المخلص لا سيما إذا رأينا فيه التفاني والتواضع والخوف من الله والتقوى فهنا نصبح أكثر شراسة إما لأمننا جانبه أو لإسقاط قيمته المعنوية أمام الآخرين.



error: المحتوي محمي