اكتشف الأخطاء (1)

منذ صغرنا تولد فينا رغبة الاستكشاف حتى الأمور الخطيرة التي لا ندرك خطورتها كان أقرب شيء لاستكشافها هي وضعها بأفواهنا لتلوكها أسناننا غير المكتملة وتتحسسها ألسنتنا.

كبرنا أصبحنا نرى المخاطر أمامنا ولكننا لا نأبه بها ليس جهلًا بها أو عدم إدراك بل كانت كل التحذيرات لا تضيف معلومة جديدة لنا لأنها موجودة لكن وعينا مغيب عن وضع المعلومة في خانة الإدراك لمدى خطورة التعرض المباشر لها.

كبرنا ونحن نعد أن تعدي الخطوط الحمراء للحرام جرأة وانفتاح لا بأس فيها، ولا داعي للتوبة منها فما الضير أن يتساوى المسلم والكافر في العادات والاحتفالات فتلك ثقافة جديدة لنكون عالمًا واحدًا في العولمة!!

ولأن عالم الكبار لا يعجبني سأعود لعالم الطفولة لأعترف بأننا أخذنا شيئًا من عالمهم وهو اكتشاف الأخطاء بالأفواه، وهذه الصفة ذات حدين فتارة نحتاج لاكتشاف الأخطاء مثلًا في الأشياء التي قد تؤثر على سلامتنا أو سلامة غيرنا كالأخطاء في الأمان من الحرائق مثلًا أو تؤثر على معلوماتنا أو طريقة فهمنا كاكتشاف أخطاء قراءتنا للقرآن التي قد تحرف معناه، أما الحد الآخر فطاقة الاستكشاف تنشط فيه لدينا ويكون النظر 6/6 حيث نرى النقطة العالقة في جدار واسع، ونلاحظ أدق الأخطاء حتى لو كانت غير واضحة ونقوم بفضح سترها غير البائن.

قد لا نكتشف المزايا جيدًا لأن همنا اكتشاف الأخطاء والعيوب، لهذا بتنا ننظر دائمًا للكأس الفارغة وحين نسأل عن رأينا بشيء جميل قد لا نعطي كلمة تفي جماله، ونكتفي بأنه “زين” أو حتى لو خرجت كلمة جميل فتكون ذابلة وغير متوهجة لأن لكن أو “بس” بعاميتنا بعدها ستفتح أبواب النار على جماله وستعدد عيوبًا لم تكن بالحسبان.

وبالطبع يختلف من يريك الخطأ حبًا فيك لأنه لا يرضى عليك بالخطأ، ومن يريك الخطأ ليقول عنك مخطئًا وهنا يختلف النقد عن الانتقاد.

كذلك ليس هناك شيء كامل تمامًا فلا كامل إلا وجهه سبحانه، ولكن بعض الأخطاء وطريقة عرضها لا تكون مهمة إذا كان التصحيح يتغلب عليها، ربما بعض التصحيح يكون نافعًا للتعلم من الخطأ لا الخجل ونيل الإحراج منه أمام الملأ.

فهناك من يستمتع باستخراج الخطأ الواحد من المائة الصحيحة ويعده إنجازًا، لكنه لا يعلم أن إفصاحه بالخطأ خاصة حينما يكون علنًا سيهز ثقة الشخص بنفسه وسيُظهره بمنظر المرتكب لجريمة صدور الخطأ الذي وكأنه لا يغتفر.

مع الأسف لدينا ممن لا يزال ينظر لمن أخطأ بالأمس وتاب اليوم بأنه لا زال بحكم العدالة مرتكبًا للخطأ، كمن كان يتعاطى المخدرات وشفي منها وتاب، لكن عيون الآخرين لا زالت تشي به وتقول عنه “كان يتعاطى” التي تفيد الماضي وكأنها تعني لا زال.

نحن لا ندرك أن بعض الاكتشافات لأخطاء الآخرين المنسية تعيدهم لها، لنكون سببًا في رسم خطأ جديد ليس بخط مرتكبه لكنه بالنيابة عن خطنا.

ومشكلتنا العظمى أننا لا نرى أخطاءنا ونرى أننا على صواب دومًا ومن يخالفنا هم المخطئون ونصرُّ على أخطائنا.

وأفضل فرصة لاكتشاف أخطاء النفس وتغييرها هي بنفحات أيام الشهر الفضيل فكل الظروف مهيئة للرجوع لله بنفس تائبة من أخطائها.

فيا شهر ربي أعلم أن سجل الأخطاء لدي قد فاض عن حده بالتقصير أو التعدي فهلّا جذبتني بنفحة سماوية لتوبة وغيث إلهي بمغفرة وعفو عما سلف ليُنادى بي استأنف العمل فقد غُفر لك..؟

يا شهر الرحمة في يومك الرابع عُدت أسألك هل أنا في سُفرة من الأخطاء لديك أم في سَفرة عنها؟



error: المحتوي محمي